(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (٢٠)
١٦ ـ (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) أي رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى ، وهو تعظيم وتكثير لما يغشاها ، فقد علم بهذه العبارة أنّ ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلاله أشياء لا يحيط بها الوصف ، وقد قيل يغشاها الجمّ الغفير من الملائكة يعبدون الله تعالى عندها ، وقيل يغشاها فراش من ذهب.
١٧ ـ (ما زاغَ الْبَصَرُ) بصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكّن منها (وَما طَغى) وما جاوز ما أمر برؤيته.
١٨ ـ (لَقَدْ رَأى) والله لقد رأى (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) الآيات التي هي كبراها وعظماها ، يعني حين رقي به إلى السماء فأري عجائب الملكوت.
١٩ ـ ٢٠ ـ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ) أي أخبرونا عن هذه الأشياء التي تعبدونها من دون الله عزوجل هل لها من القدرة والعظمة التي وصف بها ربّ العزة ، اللات والعزّى ومناة أصنام لهم وهي مؤنثات. فاللات كانت لثقيف (١) بالطائف ، وقيل كانت بنخلة تعبدها قريش ، وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة ، والعزّى كانت لغطفان وهي ثمرة ، وأصلها تأنيث الأعزّ وقطعها خالد بن الوليد ، ومناة صخرة كانت لهذيل (٢) وخزاعة ، وقيل لثقيف ، وكأنها سمّيت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنّى عندها أي تراق ، ومناءة مكي مفعلة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها (الْأُخْرى) هي صفة ذم أي المتأخرة الوضيعة المقدار ، كقوله (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) (٣) أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم ، ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزّى كانوا يقولون : إنّ الملائكة وهذه الأصنام بنات الله ، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله مع وأدهم البنات وكراهتهم لهن ، فقيل لهم :
__________________
(١) ثقيف : قبيلة نزل أكثرها في الطائف وانتشرت منها في البلاد. وهي تنسب إلى ثقيف بن منبه بن بكر ابن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر (الأنساب ١ / ٥٠٨).
(٢) هذيل : قبيلة يقال لها هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان تفرقت في البلاد ، وأهل النخلة وهي قرية قرب مكة أكثرهم من الهذيل (الأنساب ٥ / ٦٣١).
(٣) الأعراف ، ٧ / ٣٨.