(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) (١٥)
ذكر لأنه لا يلبس كقوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) (١) (ما أَوْحى) تفخيم للوحي الذي أوحي إليه ، قيل أوحى إليه : (إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك) (٢).
١١ ـ (ما كَذَبَ الْفُؤادُ) فؤاد محمد (ما رَأى) ما رآه ببصره من صورة جبريل عليهالسلام ، أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، ولو قال ذلك لكان كاذبا ، لأنه عرفه يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أنّ ما رآه حق ، وقيل المرئي هو الله سبحانه ، رآه بعين رأسه ، وقيل بقلبه.
١٢ ـ (أَفَتُمارُونَهُ) أفتجادلونه من المراء ، وهو المجادلة ، واشتقاقه من مري الناقة ، كأنّ كلّ واحد من المتجادلين يمرىء ما عند صاحبه ، أفتمرونه حمزة وعلي وخلف ويعقوب ، أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ، ولما فيه من معنى الغلبة قال (عَلى ما يَرى) فعدّي بعلى كما تقول غلبته على كذا ، وقيل أفتمرونه أفتجحدونه ، يقال مريته حقّه إذا جحدتّه ، وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين.
١٣ ـ (وَلَقَدْ رَآهُ) رأى محمد جبريل عليهماالسلام (نَزْلَةً أُخْرى) مرة أخرى ، من النزول ، نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرّة لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل ، فكانت في حكمها ، أي نزل عليه جبريل عليهالسلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها ، وذلك ليلة المعراج.
١٤ ـ (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) الجمهور على أنها شجرة نبق (٣) في السماء السابعة عن يمين العرش ، والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء ، أو الانتهاء ، كأنها في منتهى الجنة وآخرها ، وقيل لم يجاوزها أحد وإليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها ، وقيل تنتهي إليها أرواح الشهداء.
١٥ ـ (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) أي الجنة التي يصير إليها المتّقون ، وقيل تأوي إليها أرواح الشهداء.
__________________
(١) فاطر ، ٣٥ / ٤٥.
(٢) في كنز العمال : (إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها) ١١ / ٣١٩٥٣.
(٣) نبق : تخفيف النبق بكسر الباء وهو حمل السّدر.