(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) (٨)
المعرب عما في الضمير ، والرحمن مبتدأ ، وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة ، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد ، كما تقول زيد أغناك بعد فقر ، أعزك بعد ذلّ ، كثّرك بعد قلّة ، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد ، فما تنكر من إحسانه؟!.
٥ ـ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) بحساب معلوم وتقدير سويّ ، يجريان في بروجهما ومنازلهما ، وفي ذلك منافع للناس ، منها علم السنين والحساب.
٦ ـ (وَالنَّجْمُ) النبات الذي ينجم من الأرض لا ساق له كالبقول (وَالشَّجَرُ) الذي له ساق ، وقيل النجم نجوم السماء (يَسْجُدانِ) ينقادان لله تعالى فيما خلقا له تشبيها بالساجد من المكلّفين في انقياده ، واتصلت هاتان الجملتان بالرحمن بالوصل المعنوي لما علم أنّ الحسبان حسبانه والسجود له لا لغيره ، كأنه قيل الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له ، ولم يذكر العاطف في الجمل الأول (١) ، ثم جيء به بعد ، لأن الأول وردت على سبيل التعديد تبكيتا لمن أنكر آلاءه كما يبكّت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه في المثال المذكور ، ثم ردّ الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعطف ، وبيان التناسب أنّ الشمس والقمر سماويان ، والنجم والشجر أرضيان ، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل ، وإنّ السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين ، وإنّ جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله فهو مناسب لسجود النجم والشجر.
٧ ـ (وَالسَّماءَ رَفَعَها) خلقها مرفوعة مسموكة ، حيث جعلها منشأ أحكامه ، ومصدر قضاياه ، ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه ، ونبّه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) أي كلّ ما يوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون (٢) ومكيال ومقياس ، أي خلقه موضوعا على الأرض ، حيث علّق به أحكام عباده من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم.
٨ ـ (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) لئلا تطغوا ، أو هي أن المفسرة.
__________________
(١) في (ز) الأولى في المرتين.
(٢) قرسطون : قبّان.