(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (٣٢)
مدة الدنيا ، فشأنه فيه الأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، والآخر يوم القيامة ، فشأنه فيه الجزاء والحساب. وقيل نزلت في اليهود حين قالوا إنّ الله لا يقضي يوم السبت شأنا ، وسأل بعض الملوك وزيره عن الآية فاستمهله إلى الغد ، وذهب كئيبا يفكر فيها ، فقال غلام له أسود : يا مولاي أخبرني ما أصابك لعلّ الله يسهل لك على يدي ، فأخبره ، فقال أنا أفسّرها للملك ، فأعلمه ، فقال : أيها الملك شأن الله أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي ، ويشفي سقيما ويسقم سليما ، ويبتلي معافى ويعافي مبتلى ، ويعزّ ذليلا ويذلّ عزيزا ، ويفقر غنيا ويغني فقيرا ، فقال الأمير : أحسنت ، وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة ، فقال : يا مولاي هذا من شأن الله ، وقيل سوق المقادير إلى المواقيت ، وقيل إنّ عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي ، قوله : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (١) وقد صحّ أنّ : (الندم توبة) (٢) وقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وقد صح أنّ : (القلم جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة) (٣) وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٤) فما بال الأضعاف (٥)؟ فقال الحسين : يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة ويكون توبة في هذه الأمة (٦) وقيل إنّ ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله ، وكذا قيل وأن ليس للإنسان إلا ما سعى مخصوص بقوم إبراهيم وموسى عليهماالسلام ، وأما قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها ، فقام عبد الله وقبل رأسه وسوع خراجه (٧) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
٣١ ـ ٣٢ ـ (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) مستعار من قول الرجل لمن يتهدده : سأفرغ لك ، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كلّ ما يشغلني عنه ، والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه ، ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا وتبلغ آخرها وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله : كلّ يوم هو في شأن ، فلا يبقى إلا (٨) شأن واحد وهو
__________________
(١) المائدة ، ٥ / ٣١.
(٢) كنز العمال ٤ / ١٠٣٠١ ، ١٠٣٠٣.
(٣) النسائي من حديث أبي هريرة.
(٤) النجم ، ٥٣ / ٣٩.
(٥) الأضعاف : ضعف الشيء مثله وأضعافه أمثاله.
(٦) ليس في (ظ) و (ز) ويكون توبة في هذه الأمة.
(٧) سوّع خراجه : أي أسقطه عنه (انظر القاموس ٣ / ٤٢).
(٨) في (ز) إلى ، وهو خطأ ظاهر.