(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (٢٦)
بالحجج والمعجزات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) أي الوحي ، وقيل الرسل الأنبياء ، والأول أولى لقوله معهم ، لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب (وَالْمِيزانَ) روي أنّ جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال : مر قومك يزنوا به (لِيَقُومَ النَّاسُ) ليتعاملوا بينهم إيفاء واستيفاء (بِالْقِسْطِ) بالعدل ولا يظلم أحد أحدا (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السّندان (١) والكلبتان (٢) والميقعة (٣) والمطرقة والإبرة (٤) ، وروي ومعه المرّ والمسحاة (٥) ، وعن الحسن : وأنزلنا الحديد خلقناه (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) وهو القتال به (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم ، فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها ، أو ما يعمل بالحديد (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين ، وقال الزّجّاج : ليعلم الله من يقاتل مع رسوله في سبيله (بِالْغَيْبِ) غائبا عنهم (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته (عَزِيزٌ) يربط بعزته جأش من يتعرض لنصرته ، والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة أنّ الكتاب قانون الشريعة ودستور الأحكام الدينية يبين سبل المراشد والعهود ، ويتضمن جوامع الأحكام والحدود ، ويأمر بالعدل والإحسان ، وينهى عن البغي والطغيان ، واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل ويحصل بها التساوي والتعادل ، وهي الميزان ، ومن المعلوم أنّ الكتاب الجامع للأوامر الإلهية والآلة الموضوعة للتعامل بالسوية إنما يحفظ العام (٦) على اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعند ، ونزع عن صفقة الجماعة اليد ، وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد.
٢٦ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) خصّا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهمالسلام (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) أولادهما (النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) الوحي ، وعن ابن عباس رضي
__________________
(١) السندان : كتلة من الحديد يطرق الحداد عليها الحديد.
(٢) الكلبتان : ما يأخذ به الحداد الحديد المحمى (القاموس ١ / ١٢٥).
(٣) الميقعة : خشبة انتصار يدق عليها ، والمسن الطويل (القاموس ٣ / ٩٦).
(٤) الإبرة : مسلة الحديد (القاموس ١ / ٣٦١).
(٥) المرّ والمسحاة : الحبل والمسحاة ، أو مقبضها (القاموس ٢ / ١٣٢).
(٦) في (ظ) إنما تحفظ العام ، وفي (ز) إنما تحض العامة.