لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٥)
(أَنْفُسِكُمْ) من الأمراض والأوصاب وموت الأولاد (إِلَّا فِي كِتابٍ) في اللوح ، وهو في موضع الحال ، أي إلا مكتوبا في اللوح (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) من قبل أن نخلق الأنفس (إِنَّ ذلِكَ) إنّ تقدير ذلك وإثباته في كتاب (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وإن كان عسيرا على العباد ، ثم علل ذلك وبيّن الحكمة فيه بقوله :
٢٣ ـ (لِكَيْلا تَأْسَوْا) تحزنوا حزنا يطغيكم (عَلى ما فاتَكُمْ) من الدنيا وسعتها ، أو من العافية وصحتها (وَلا تَفْرَحُوا) فرح المختال الفخور (بِما آتاكُمْ) أعطاكم ، من الإيتاء. أبو عمرو أتاكم أي جاءكم من الإتيان ، يعني أنكم إذا علمتم أنّ كلّ شيء مقدر مكتوب عند الله قلّ أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي ، لأن من علم أنّ ما عنده مفقود لا محالة لم يتفاقم جزعه عند فقده ، لأنه وطّن نفسه على ذلك ، وكذلك من علم أنّ بعض الخير واصل إليه وأنّ وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله ، وليس أحد إلا وهو يفرح عند منفعة تصيبه ويحزن عند مضرة تنزل به ، ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكرا والحزن صبرا ، وإنما يذمّ من الحزن الجزع المنافي للصبر ومن الفرح الأشر المطغي الملهي عن الشكر (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) لأن من فرح بحظ من الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبّر على الناس.
٢٤ ـ (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من كلّ مختال فخور ، كأنه قال لا يحبّ الذين يبخلون ، يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا ، فلحبّهم له وعزته عندهم يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) ويحضّون غيرهم على البخل ويرغّبونهم في الإمساك (وَمَنْ يَتَوَلَ) يعرض عن الإنفاق ، أو عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهي عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن جميع المخلوقات فكيف عنه (الْحَمِيدُ) في أفعاله. فإن الله الغني بترك هو مدني وشامي.
٢٥ ـ (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء (بِالْبَيِّناتِ)