(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(٢١) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (٢٢)
١٩ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) تركوا ذكر الله عزوجل وما أمرهم به (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) فتركهم من ذكره بالرحمة والتوفيق (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن طاعة الله.
٢٠ ـ (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) هذا تنبيه للناس وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار والبون العظيم بين أصحابهما ، وأنّ الفوز العظيم مع أصحاب الجنة ، والعذاب الأليم مع أصحاب النار ، فمن حقّهم أنّ يعلموا ذلك وينبّهوا عليه ، كما تقول لمن يعقّ أباه : هو أبوك ، تجعله بمنزلة من لا يعرفه ، فتنبّهه بذلك على حق الأبوّة الذي يقتضي البرّ والتعطّف ، وقد استدلت الشافعية بهذه الآية على أنّ المسلم لا يقتل بالكافر ، وأنّ الكافر لا يملك مال المسلم بالاستيلاء ، وقد أجبنا عن مثل هذا في أصول الفقه و «الكافي».
٢١ ـ (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي من شأن القرآن وعظمته أنه لو جعل في الجبل ، تمييز ، وأنزل عليه القرآن لخشع ، أي لخضع وتطأطأ وتصدّع ، أي تشقق من خشية الله ، وجائز أن يكون هذا تمثيلا كما في قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) (١) ويدلّ عليه قوله (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وهي إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل ، والمراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشّعه عند تلاوة القرآن وتدبّر قوارعه وزواجره. ثم رد على من أشرك وشبّهه بخلقه فقال :
٢٢ ـ (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي السرّ والعلانية ، أو الدنيا والآخرة ، أو المعدوم والموجود (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ).
__________________
(١) الأحزاب ، ٣٣ / ٧٢.