(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٥ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ١٧ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (١٨)
١٥ ـ (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثلهم كمثل أهل بدر ، فحذف المبتدأ (قَرِيباً) أي استقروا من قبلهم زمنا قريبا (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من قولهم كلأ وبيل وخيم سيء العاقبة ، يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار.
١٦ ـ (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) أي مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ثم متاركتهم لهم وإخلافهم كمثل الشيطان إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة ، وقيل المراد استغواؤه قريشا يوم بدر وقوله لهم : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) إلى قوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) (١).
١٧ ـ (فَكانَ عاقِبَتَهُما) عاقبة الإنسان الكافر والشيطان (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) عاقبتهما خبر كان مقدم ، وأن مع اسمها وخبرها أي في النار في موضع الرفع على الاسم ، وخالدين حال (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ).
١٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في أوامره فلا تخالفوها (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) نكّر النفس تقليلا للأنفس النواظر فيما قدّمن للآخرة (ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يعني يوم القيامة ، سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له ، أو عبّر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهاران يوم وغد ، وتنكيره لتعظيم أمره أي لغد لا يعرف كنهه لعظمه ، وعن مالك بن دينار : مكتوب على باب الجنة وجدنا ما عملنا ، ربحنا ما قدّمنا ، خسرنا ما خلّفنا (وَاتَّقُوا اللهَ) كرر الأمر بالتقوى تأكيدا ، أو اتقوا الله في أداء الواجبات ، لأنه قرن بما هو عمل ، واتقوا الله في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجري مجرى الوعيد ، وهو (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) وفيه تحريض على المراقبة ، لأن من علم (٢) أنّ الله مطلع على ما يرتكب من الذنوب يمتنع عنه.
__________________
(١) الأنفال ، ٨ / ٤٨.
(٢) زاد في (ظ) و (ز) وقت فعله.