(لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (١٢) لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (١٣) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (١٤)
وعدناكم من النّصرة (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في مواعيدهم لليهود ، وفيه دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب.
١٢ ـ (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) إنما قال ولئن نصروهم بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم على الفرض والتقدير ، كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) وكما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون ، والمعنى ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمنّ المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك ، أي يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم ، أو لينهزمنّ اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين.
١٣ ـ (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) أي أشدّ مرهوبية ، مصدر رهب المبني للمفعول ، وقوله (فِي صُدُورِهِمْ) دلالة على نفاقهم ، يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم (مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يعلمون الله وعظمته حتى يخشوه حقّ خشيته.
١٤ ـ (لا يُقاتِلُونَكُمْ) لا يقدرون على مقاتلتكم (جَمِيعاً) مجتمعين ، يعني اليهود والمنافقين (إِلَّا) كائنين (فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بالخنادق والدروب (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) جدار مكي وأبو عمرو (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ، ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة ، لأن الشجاع يجبن عند محاربة الله ورسوله (تَحْسَبُهُمْ) أي اليهود والمنافقين (جَمِيعاً) مجتمعين ذوي ألفة واتحاد (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرقة لا ألفة بينها ، يعني أنّ بينهم إحنا وعداوات فلا يتعاضدون حقّ التعاضد ، وهذا تحسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم (ذلِكَ) التفرق (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أنّ تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم.
__________________
(١) الزمر ، ٣٩ / ٦٥.