(وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (١٠) أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (١١)
نزل برجل منهم ضيف فنوّم الصبية وقرّب الطعام وأطفأ المصباح ليشبع ضيفه ولا يأكل هو. وعن أنس : أهدي لبعضهم رأس مشوي وهو مجهود فوجهه إلى جاره فتداولته تسعة أنفس حتى عاد إلى الأول ، أبو يزيد (١) : قال لي شاب من أهل بلخ ما الزهد عندكم؟ قلت : إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا ، فقال : هكذا عندنا كلاب بلخ بل إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا آثرنا (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الظافرون بما أرادوا ، الشحّ : اللؤم وأن تكون نفس الرجل كزّة حريصة على المنع ، وأما البخل فهو المنع نفسه ، وقيل : الشحّ أكل مال أخيك ظلما ، والبخل منع مالك ، وعن كسرى : الشحّ أضرّ من الفقر لأن الفقير يتسع إذا وجد بخلاف الشحيح.
١٠ ـ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) عطف أيضا على المهاجرين ، وهم الذين هاجروا من بعد ، وقيل التابعون بإحسان ، وقيل من بعدهم إلى يوم القيامة ، قال عمر رضي الله عنه : دخل في هذا الفيء كلّ من هو مولود إلى يوم القيامة في الإسلام ، فجعل الواو للعطف فيهما ، وقرىء للذين فيهما (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) قيل هم المهاجرون والأنصار ، عائشة رضي الله عنها : أمروا بأن يستغفروا لهم فسبّوهم (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) حقدا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني الصحابة (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وقيل لسعيد بن المسيب : ما تقول في عثمان وطلحة والزبير؟ قال : أقول ما قوّلنيه الله وتلا هذه الآية ، ثم عجّب نبيه بقوله :
١١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) أي ألم تر يا محمد إلى عبد الله بن أبيّ وأشياعه (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني بني النضير ، والمراد إخوة الكفر (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من دياركم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) روي أنّ ابن أبيّ وأصحابه دسّوا إلى بني النضير حين حاصرهم النبي صلىاللهعليهوسلم : لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ، ولئن أخرجتم لنخرجنّ معكم (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ) في قتالكم (أَحَداً أَبَداً) من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه ، أو في خذلانكم وإخلاف ما
__________________
(١) في (ز) أبو زيد ، والصواب أبو يزيد يعني البسطامي ترجمته في ٢٦ / ٢٢٧.