(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٥ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(٧)
كانوا أنبياء (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) جمع بريء كظريف وظرفاء (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ) بالأفعال (وَالْبَغْضاءُ) بالقلوب (أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) فحينئذ نترك عداوتكم (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) وذلك لموعدة وعدها إياه ، أي اقتدوا به في أقواله ولا تأتسوا به في الاستغفار لأبيه الكافر (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي من هداية ومغفرة وتوفيق ، وهذه الجملة لا تليق بالاستثناء ألا ترى إلى قوله : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) (١) ولكن المراد استثناء جملة قوله لأبيه ، والقصد إلى موعد الاستغفار له ، وما بعده تابع له ، كأنه قال : أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) متصل بما قبل الاستثناء ، وهو من جملة الأسوة الحسنة ، وقيل معناه قولوا ربّنا ، فهو ابتداء أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أقبلنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) المرجع.
٥ ـ (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا تسلّطهم علينا فيفتنوننا بعذاب (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي الغالب الحاكم.
٦ ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) ثم كرر الحثّ على الائتساء بإبراهيم عليهالسلام وقومه تقريرا وتأكيدا عليهم ، ولذا جاء به مصدرا بالقسم ، لأنه الغاية في التأكيد ، وأبدل عن قوله لكم قوله لمن كان يرجو الله ، أي ثوابه أي يخشى الله ، وعقبه بقوله (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن أمرنا ووالى (٢) الكفار (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن الخلق (الْحَمِيدُ) المستحقّ للحمد ، فلم يترك نوعا من التأكيد إلا جاء به.
ولما نزلت (٣) هذه الآيات وتشدّد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين أطمعهم في تحوّل الحال إلى خلافه ، فقال :
٧ ـ (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) أي من أهل مكة من أقربائكم (مَوَدَّةً) بأن يوفقهم للإيمان ، فلما يسّر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم ،
__________________
(١) الفتح ، ٤٨ / ١١.
(٢) في (ز) يعرض عن أمرنا ويوال الكفار.
(٣) في (ز) أنزلت.