(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥)
الأنبار (١) (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) ويطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) القرآن (وَالْحِكْمَةَ) السنة ، أو الفقه في الدين (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) من قبل محمد صلىاللهعليهوسلم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) كفر وجهالة ، إن مخففة من الثقيلة ، واللام دليل عليها ، أي كانوا في ضلال لا ترى ضلالا أعظم منه.
٣ ـ (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) مجرور معطوف على الأميين ، يعني أنه بعثه في الأميين الذين على عهده ، وفي آخرين من الأميين (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم ، وهم الذين بعد الصحابة رضي الله عنهم ، أو هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم الدين ، وقيل هم العجم ، أو منصوب معطوف على المنصوب في ويعلّمهم أي يعلّمهم ويعلّم آخرين ، لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كلّه مستندا إلى أوله ، فكأنه هو الذي تولى كلّ ما وجد منه (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في تمكينه رجلا أميّا من ذلك الأمر العظيم ، وتأييده عليه ، واختياره إياه من بين كافة البشر.
٤ ـ (ذلِكَ) الفضل الذي أعطاه محمدا ، وهو أن يكون نبيّ أبناء عصره ونبيّ أبناء العصور الغوابر هو (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) إعطاءه وتقتضيه حكمته (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
٥ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) أي كلّفوا علمها والعمل بما فيها (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) ثم لم يعملوا بها ، فكأنهم لم يحملوها (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) جمع سفر وهو الكتاب الكبير ، ويحمل في محل النصب على الحال ، أو الجر على الوصف ، لأنّ الحمار كاللئيم في قوله (٢) : ولقد أمرّ على اللئيم يسبني. شبه اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها ثم لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بآياتها ، وذلك أنّ فيها نعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم والبشارة به ، فلم يؤمنوا به ، بالحمار حمّل كتبا كبارا من
__________________
(١) الأنبار : مدينة قرب بلخ وبها كان مقام السلطان ، وفتحت الأنبار في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة ١٢ ه على يد خالد بن الوليد صلحا (معجم البلدان ١ / ٣٠٥).
(٢) لم أصل إليه.