(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١)
الفراء : السعي والمضيّ والذهاب واحد ، وليس المراد به السرعة في المشي (إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي إلى الخطبة عند الجمهور ، وبه استدل أبو حنيفة رضي الله عنه على أنّ الخطيب إذا اقتصر على الحمد لله جاز (وَذَرُوا الْبَيْعَ) أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا ، وإنما خصّ البيع من بينها لأنّ يوم الجمعة يتكاثر فيه البيع والشراء عند الزوال ، فقيل لهم : بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا ، واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح ، وذروا البيع الذي نفعه يسير (ذلِكُمْ) أي السعي إلى ذكر الله (خَيْرٌ لَكُمْ) من البيع والشراء (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
١٠ ـ (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أي أدّيت (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) أمر إباحة (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) الرزق ، أو طلب العلم ، أو عيادة المريض ، أو زيارة أخ في الله (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) واشكروه على ما وفقكم لأداء فرضه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
١١ ـ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) تفرقوا عنك إليها ، وتقديره وإذا رأوا تجارة انفضّوا إليها ، أو لهوا انفضوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، وإنما خصّ التجارة لأنها كانت أهمّ عندهم. روي أنّ أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء ، فقدم دحية بن خليفة بتجارة من زيت الشأم والنبي صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة ، فقاموا إليه فما بقي معه إلا ثمانية أو اثنا عشر ، فقال صلىاللهعليهوسلم : (والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لأضرم عليهم الوادي نارا) (١) وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق ، فهو المراد باللهو (وَتَرَكُوكَ) على المنبر (قائِماً) تخطب ، وفيه دليل على أنّ الخطيب ينبغي أن يخطب قائما (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي لا يفوتهم رزق الله بترك البيع فهو خير الرازقين (٢).
__________________
(١) ذكره الثعلبي ثم البغوي عن الحسن بغير إسناد وذكره الواحدي عن المفسرين ، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وعند ابن حبان عن أبي سفيان نحوه ، ورواه الطبري مختصرا من رواية السدي عن ابن مالك ، وأصل القصة في الصحيحين عن جابر.
(٢) زاد في (ز) والله أعلم.