(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) (٨)
كالقصاص وغيره ، كذا في «شرح التأويلات» (١) (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو وقت موتكم (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي الموت (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي لو كنتم تعلمون ما يحلّ بكم من الندامة عند انقضاء أجلكم لآمنتم ، قيل : إنّ الله تعالى قضى مثلا أنّ قوم نوح إن آمنوا عمّرهم ألف سنة وإن لم يؤمنوا أهلكهم على رأس تسعمائة ، فقيل لهم : آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي تبلغوا ألف سنة ، ثم أخبر أنّ الأجل إذا جاء لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ، وقيل : إنهم كانوا يخافون على أنفسهم الإهلاك من قومهم بإيمانهم وإجابتهم لنوح عليهالسلام ، فكأنه عليهالسلام أمّنهم من ذلك ووعدهم أنهم بإيمانهم يبقّون إلى الأجل الذي ضرب لهم لو لم يؤمنوا ، أي أنكم إن أسلمتم بقّيتم إلى أجل مسمى آمنين من عدوكم.
٥ ـ ٦ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) دائبا بلا فتور (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) عن طاعتك ، ونسب ذلك إلى دعائه لحصوله عنده وإن لم يكن الدعاء سببا للفرار في الحقيقة ، وهو كقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (٢) والقرآن لا يكون سببا لزيادة الرجس ، وكان الرجل يذهب بابنه إلى نوح عليهالسلام فيقول : احذر هذا فلا يغرّنّك ، فإن أبي قد وصّاني به.
٧ ـ (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إلى الإيمان بك (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) أي ليؤمنوا فتغفر لهم ، فاكتفي بذكر المسبب (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) سدّوا مسامعهم لئلا يسمعوا كلامي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) وتغطّوا بثيابهم لئلا يبصرون (٣) كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله (وَأَصَرُّوا) وأقاموا على كفرهم (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) وتعظّموا عن إجابتي ، وذكر المصدر دليل على فرط استكبارهم.
٨ ـ (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) مصدر في موضع الحال ، أي مجاهرا ، أو مصدر دعوتهم كقعد القرفصاء ، لأن الجهار أحد نوعي الدعاء ، يعني أظهرت لهم الدعوة في المحافل.
__________________
(١) تأويلات القرآن للماتريدي.
(٢) التوبة ، ٩ / ١٢٥.
(٣) في (ظ) و (ز) يبصروني.