(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ٩ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (١٢) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (١٢) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (١٤)
٩ ـ (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) أي خلطت دعاءهم بالعلانية بدعاء السر ، فالحاصل أنه دعاهم ليلا ونهارا في السر ، ثم دعاهم جهارا ، دعاهم في السر والعلن ، وهكذا يفعل الآمر بالمعروف يبتدىء بالأهون ثم بالأشدّ فالأشد ، فافتتح بالمناصحة في السرّ ، فلما لم يقبلوا ثنّى بالمجاهرة ، فلما لم تؤثر ثلّث بالجمع بين الإسرار والإعلان ، وثم تدلّ على تباعد الأحوال ، لأن الجهار أغلظ من الإسرار ، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما.
١٠ ـ ١٢ ـ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) من الشرك ، لأنّ الاستغفار طلب المغفرة ، فإن كان المستغفر كافرا فهو من الكفر ، وإن كان عاصيا مؤمنا فهو من الذنوب (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) لم يزل غفارا لذنوب من ينيب إليه (يُرْسِلِ السَّماءَ) المطر (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) كثيرة الدّرور ، ومفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) يزدكم أموالا وبنين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) جارية لمزارعكم وبساتينكم ، وكانوا يحبون الأموال والأولاد فحرّكوا بهذا على الإيمان ، وقيل لما كذبوه بعد طول تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة أو سبعين ، فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الله الخصب ورفع عنهم ما كانوا فيه. وعن عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقي فما زاد على الاستغفار ، فقيل له : ما رأيناك أستسقيت؟ فقال : لقد استسقيت بمجاديح (١) السماء التي يستنزل بها المطر (٢) شبه عمر الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطىء وقرأ الآيات. وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب فقال : استغفر الله ، وشكا إليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلّهم بالاستغفار ، فقال له الربيع بن صبيح (٣) : أتاك رجال يشكون أبوابا فأمرتهم كلّهم بالاستغفار ، فتلا الآيات.
١٣ ـ ١٤ ـ (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) لا تخافون لله عظمة. عن الأخفش قال :
__________________
(١) مجاديح السماء : أنواؤها (القاموس ١ / ٢١٧).
(٢) عبد الرزاق وابن أبي شيبة والطبراني في الدعاء وغيرهم من رواية الشعبي ورجاله ثقات إلا أنه منقطع.
(٣) الربيع بن صبيح السعدي ، أبو بكر ، أول من صنف بالبصرة ، كان عابدا ورعا ، خرج غازيا إلى السند فمات في البحر ودفن في إحدى الجزر عام ١٦٠ ه (الأعلام ٣ / ١٥).