(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢) فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧)
استفهام توبيخ ، أي أيّ شيء حمله على الكفر ، أو تعجب (١) أي ما أشد كفره (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) من أي حقير خلقه ، وهو استفهام ومعناه التقرير. ثم بين ذلك الشيء فقال (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) على ما يشاء من خلقه (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) نصب السبيل بإضمار يسّر ، أي ثم سهل له سبيل الخروج من بطن أمه ، أو بيّن له سبيل الخير والشر (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) جعله ذا قبر يوارى فيه لا كالبهائم كرامة له ، قبر الميّت دفنه وأقبره (٢) أمره بأن يقبره ومكّنه منه (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أحياه بعد موته.
٢٣ ـ ٣٢ ـ (كَلَّا) ردع للإنسان عن الكفر (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) لم يفعل هذا الكافر ما أمره الله به من الإيمان. ولما عدّد النّعم في نفسه من ابتداء حدوثه إلى آن انتهائه أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) الذي يأكله ويحيا به كيف دبّرنا أمره (أَنَّا) بالفتح كوفي على أنه بدل اشتمال من الطعام ، وبالكسر على الاستنئاف غيرهم (صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) يعني المطر من السحاب (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) بالنبات (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) كالبّرّ والشعير وغيرهما مما يتغذى به (وَعِنَباً) ثمرة الكرم ، أي الطعام والفاكهة (وَقَضْباً) رطبة ، سمّي بمصدر قضبه أي قطعه لأنه يقضب مرة بعد مرة (وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدائِقَ) بساتين (غُلْباً) غلاظ الأشجار ، جمع غلباء (وَفاكِهَةً) لكم (وَأَبًّا) مرعى لدوابكم (مَتاعاً) مصدر ، أي منفعة (لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).
٣٣ ـ ٣٧ ـ (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) صيحة القيامة لأنها تصخّ الآذان أي تصمّها ، وجوابه محذوف لظهوره (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) لتبعات بينه وبينهم ، أو لاشتغاله بنفسه (وَصاحِبَتِهِ) وزوجته (وَبَنِيهِ) بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ، ثم بالصاحبة والبنين لأنهم أحب. قيل أول من يفر من أخيه هابيل ، ومن أبويه إبراهيم ، ومن صاحبته نوح ولوط ، ومن ابنه نوح (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ) في نفسه (يُغْنِيهِ) يكفيه في الاهتمام به ويشغله عن غيره.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) أو هو تعجب.
(٢) في (ز) وأقبره الميت أمره.