(سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (١٧)
أن ينسخه ، وهذا بشارة من الله لنبيه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا ينفلت منه شيء إلا ما شاء الله أن ينسخه فيذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته. وسأل ابن كيسان النحوي (١) جنيدا عنه فقال : فلا تنسى العمل به ، فقال : مثلك يصدّر. وقيل : قوله فلا تنسى على النهي والألف مزيدة للفاصلة كقوله : (السَّبِيلَا) (٢) أي فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) أي إنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلّت والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر ، أو ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان ، أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) معطوف على سنقرئك ، وقوله : إنه يعلم الجهر وما يخفى اعتراض ومعناه ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل ، يعني حفظ الوحي ، وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع ، أو نوفقك لعمل الجنة (فَذَكِّرْ) عظ بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) جواب إن مدلول قوله فذكّر ، قيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم ، وقيل هو أمر بالتذكير على الإطلاق كقوله : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٣) غير مشروط بالنفع.
١٠ ـ ١٣ ـ (سَيَذَّكَّرُ) سيتعظ ويقبل التذكرة (مَنْ يَخْشى) الله وسوء العاقبة (وَيَتَجَنَّبُهَا) ويتباعد عن الذكرى فلا يقبلها (الْأَشْقَى) الكافر ، أو الذي هو أشقى الكفرة لتوغله في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قيل نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) يدخل نار جهنم ، والصغرى نار الدنيا (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح من العذاب (وَلا يَحْيى) حياة ، يتلذذ بحياته (٤) ، وقيل ثم لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصّلى (٥) فهو متراخ عنه في مراتب الشدة.
١٤ ـ ١٧ ـ (قَدْ أَفْلَحَ) نال الفوز (مَنْ تَزَكَّى) تطهر من الشرك ، أو تطهر
__________________
(١) ابن كيسان : هو صالح بن كيسان المدني مؤدب أبناء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان من فقهاء المدينة الجامعين بين الحديث والفقه توفي عام ١٤٠ ه (الأعلام ٣ / ١٩٥).
(٢) الأحزاب ، ٣٣ / ٦٧.
(٣) الغاشية ، ٨٨ / ٢١.
(٤) في (ز) يتلذذ بها.
(٥) الصّلى : الاحتراق.