(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ٧ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)(٨)
لأنه يعقل وينهى ، يريد هل تحقق عنده أن تعظّم هذه الأشياء بالإقسام بها ، أو هل في إقسامي بها إقسام لذي حجر ، أي هل هو قسم عظيم يؤكد بمثله المقسم عليه ، أو هل في القسم بهذه الأشياء قسم مقنع لذي عقل ولبّ ، والمقسم عليه محذوف وهو قوله ليعذّبنّ يدل عليه قوله (أَلَمْ تَرَ) إلى قوله : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ). ثم ذكر تعذيب الأمم التي كذبت الرسل فقال :
٦ ـ ٨ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) أي ألم تعلم يا محمد علما يوازي العيان في الإيقان ، وهو استفهام تقرير ، قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عاد ، كما يقال لبني هاشم هاشم ، ثم قيل للأولين منهم : عاد الأولى ، والإرم تسمية لهم باسم جدّهم ، ومن بعدهم عاد الأخيرة ، فإرم عطف بيان لعاد وإيذان بأنهم عاد الأولى القديمة ، وقيل إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها ، ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة وتقديره بعاد أهل إرم كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث ، وذات العماد إذا كانت صفة للقبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين أهل عمد ، أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة ، وإن كانت صفة للبلدة فالمعنى أنها ذات أساطين.
وروي أنه كان لعاد ابنان شدّاد وشديد فملكا وقهرا ، ثم مات شديد وخلص الأمر لشدّاد ، فملك الدنيا ودانت له ملوكها ، فسمع بذكر الجنة فقال : أبني مثلها ، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلثمائة سنة ، وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة ، وأساطينها من الزبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا ، وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها ، فحمل ما قدر عليه ممّا ثمّ ، وبلغ خبره معاوية فاستحضره ، فقص عليه ، فبعث إلى كعب فسأله فقال : هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر قصير ، على حاجبه خال وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال : هذا والله ذلك الرجل (٢) (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي
__________________
(١) يوسف ، ١٢ / ٨٢.
(٢) رواه الثعلبي من طريق عثمان الدارمي عن عبد الله بن أبي صالح عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران وعن وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة. قال ابن حجر : أثار الوضع عليه لائحة.