(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (٨) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) (١٠)
بمعنى أي لأنّ المنطلقين عن مجلس التقاول لا بدّ لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم ، فكان انطلاقهم مضمّنا (١) معنى القول (وَاصْبِرُوا عَلى) عبادة (آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا) الأمر (لَشَيْءٌ يُرادُ) أي يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر ، أو إنّ هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه.
٧ ـ (ما سَمِعْنا بِهذا) بالتوحيد (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) في ملة عيسى التي هي آخر الملل ، لأنّ النصارى مثلّثة غير موحّدة ، أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا (إِنْ هذا) ما هذا (إِلَّا اخْتِلاقٌ) كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه.
٨ ـ (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) القرآن (مِنْ بَيْنِنا) أنكروا أن يختصّ بالشرف من بين أشرافهم ، وينزل عليه الكتاب من بينهم حسدا (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) من القرآن (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) بل لم يذوقوا عذابي بعد ، فإذا ذاقوا (٢) زال عنهم ما بهم من الشكّ والحسد حينئذ ، أي أنهم لا يصدّقون به إلا أن يمسّهم العذاب فيصدّقون حينئذ.
٩ ـ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) يعني ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ، أو يصرفوها عمن شاءوا ، ويتخيّروا للنبوة بعض صناديدهم ، ويترفعوا بها عن محمد ، وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها ، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ، ثم رشّح هذا المعنى فقال :
١٠ ـ (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختصّ بها ربّ العزة ، والكبرياء ، ثم تهكّم بهم غاية التهكّم فقال : فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرّف في قسمة الرحمة (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصّل بها إلى السماء حتى يدبّروا أمر العالم وملكوت الله وينزّلوا الوحي إلى من يختارون.
__________________
(١) في (ز) متضمنا.
(٢) في (ظ) أذاقوه وفي (ز) ذاقوه.