(اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٣)
وتخليقه كافيا أو لا ، فإن كان كافيا كان الآخر ضائعا غير محتاج إليه وذلك نقص والناقص لا يكون إلها ، وإن لم يكن كافيا فهو ناقص ، ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كاف ، وما وراء الواحد فليس عدد أولى من عدد فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها وذا محال ، فالقول بوجود إلهين محال.
ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئا من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر ، فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلا ، وإن لم يقدر لزم كونه عاجزا ، ولأنا لو فرضنا معدوما ممكن الوجود فإن لم يقدر واحد منهما على إيجاده كان كلّ واحد منهما عاجزا والعاجز لا يكون إلها ، وإن قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لا يكون إلها ، وإن قدرا جميعا ، فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كلّ واحد منهما محتاجا إلى إعانة الآخر فيكون كلّ واحد منهما عاجزا ، وإن قدر كلّ واحد منهما على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادرا عليه وهو محال لأن إيجاد الموجود محال ، وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلا قدرة الثاني فيكون عاجزا ومقهورا تحت تصرفه فلا يكون إلها.
فإن قلت : الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزا.
قلنا : الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزا ، وأما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخر فكان ذلك تعجيزا.
٢ ـ (اللهُ الصَّمَدُ) هو فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج ، والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم وهو واحد لا شريك له ، وهو الذي يصمد إليه كلّ مخلوق ولا يستغنون عنه وهو الغني عنهم.
٣ ـ (لَمْ يَلِدْ) لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ، وقد دل على هذا المعنى بقوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) (١) (وَلَمْ يُولَدْ) لأنّ كلّ مولود محدث وجسم ، وهو قديم لا أوّل لوجوده ، إذ لو لم يكن
__________________
(١) الأنعام ، ٦ / ١٠١.