(وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ (٤٨) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ) (٥٠)
فيها (ذِكْرَى الدَّارِ) ذكرى في محلّ النصب أو الرفع بإضمار أعني ، أو هي ، أو الجرّ على البدل من بخالصة والمعنى إنا أخلصناهم بذكر (١) الدار ، والدار هنا : الدار الآخرة ، يعني جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكّرون الناس الدار الآخرة ويزهدونهم في الدنيا كما هو ديدن الأنبياء عليهمالسلام ، أو معناه أنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله وينسون ذكر الدنيا ، بخالصة ذكرى الدار على الإضافة مدني ونافع ، وهي من إضافة الشيء إلى ما يبيّنه ، لأنّ الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى ، وذكرى مصدر ومضاف إلى المفعول أي بأن خلص (٢) ذكرى الدار ، وقيل خالصة بمعنى خلوص ، فهي مضافة إلى الفاعل أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهمّ آخر إنما همهم ذكرى الدار لا غير ، وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا ، وهذا شيء قد أخلصهم به ، فليس يذكر غيرهم في الدنيا بمثل ما يذكرون به ، يقويه قوله : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٣).
٤٧ ـ (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) المختارين من بين أبناء جنسهم (الْأَخْيارِ) جمع خيّر أو خير على التخفيف كأموات في جمع ميّت أو ميت.
٤٨ ـ (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ) كأنّ حرف التعريف دخل على يسع (وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌ) التنوين عوض عن المضاف إليه أي وكلّهم (مِنَ الْأَخْيارِ).
٤٩ ـ (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) أي هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا ، وإنّ لهم مع ذلك لحسن مرجع ، يعني يذكرون في الدنيا بالجميل ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة ربّ جليل. ثم بيّن كيفية حسن ذلك المرجع فقال :
٥٠ ـ (جَنَّاتِ عَدْنٍ) بدل من حسن مآب (مُفَتَّحَةً) حال من جنات لأنها معرّفة لإضافتها إلى عدن وهو علم ، والعامل فيها ما في للمتقين من معنى الفعل (لَهُمُ الْأَبْوابُ) ارتفاع الأبواب بأنها فاعل مفتحة ، والعائد محذوف أي مفتحة لهم الأبواب منها ، فحذف كما حذف في قوله : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (٤) أي لهم ، أو أبوابها إلّا أنّ الأول أجود ، أو هي بدل من الضمير في مفتحة ، وهو ضمير الجنات تقديره
__________________
(١) في (ظ) و (ز) بذكرى.
(٢) في (ظ) و (ز) أي بإخلاصهم ذكرى الدار.
(٣) مريم ، ١٩ / ٥٠.
(٤) النازعات ، ٧٩ / ٣٩.