(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (٤٦)
٤٤ ـ (وَخُذْ) معطوف على اركض (بِيَدِكَ ضِغْثاً) حزمة صغيرة من حشيش ، أو ريحان ، أو غير ذلك ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قبضة من الشجر (فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) وكان حلف في مرضه ليضربنّ امرأته مائة إذا برأ فحلّل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ، وهذه الرخصة باقية ، ويجب أن يصيب المضروب كلّ واحدة من المائة ، والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة ، فحرج صدره ، وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين ، وكانتا متعلّق أيوب عليهالسلام إذا قام (إِنَّا وَجَدْناهُ) علمناه (صابِراً) على البلاء ، نعم قد شكا إليه (١) ما به واسترحمه لكن الشكوى إلى الله لا تسمّى جزعا ، فقد قال يعقوب عليهالسلام (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (٢) على أنه عليهالسلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة حيث كان الشيطان يوسوس إليهم أنه لو كان نبيا لما ابتلي بمثل ما ابتلي به ، وإرادة القوة على الطاعة ، فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان (نِعْمَ الْعَبْدُ) أيوب (إِنَّهُ أَوَّابٌ).
٤٥ ـ (وَاذْكُرْ عِبادَنا) عبدنا مكي (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) فمن جمع فإبراهيم ومن بعده عطف بيان على عبادنا ، ومن وحّد فإبراهيم وحده عطف بيان له ، ثم عطف ذريته على عبدنا ، ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلّبت ، فقيل في كلّ عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدي ، أو كان العمال جذمى لا أيدي لهم ، وعلى هذا ورد قوله (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) أي أولي الأعمال والفكر (٣) ، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ، ولا يجاهدون في الله ، ولا يفكرون (٤) أفكار ذوي الديانات في حكم الزّمنى الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم ، والمسلوبي العقول الذين لا استبصار لهم ، وفيه تعريض بكلّ من لم يكن من عمّال الله ولا من المستبصرين في دين الله ، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما.
٤٦ ـ (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) جعلناهم لنا خالصين (بِخالِصَةٍ) بخصلة خالصة لا شوب
__________________
(١) في (ز) شكا إلى الله.
(٢) يوسف ، ١٢ / ٨٦.
(٣) في (ز) أولي الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة.
(٤) في (ظ) و (ز) يتفكرون.