(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (١٩) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) (٢٠)
والرحموت إلّا أنّ فيها قلبا بتقديم اللام على العين ، أطلقت على الشيطان ، أو الشياطين لكون الطاغوت مصدرا ، وفيها مبالغات وهي التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان ، وأن البناء بناء مبالغة فإن الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط والقلب وهو للاختصاص ، إذ لا تطلق على غير الشيطان ، والمراد بها ههنا الجمع وقرىء الطواغيت (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل اشتمال من الطاغوت أي عبادتها (وَأَنابُوا) رجعوا (إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) هي البشارة بالثواب ، تتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشّرين وحين يحشرون (فَبَشِّرْ عِبادِ).
١٨ ـ (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) هم الذين اجتنبوا وأنابوا وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع الضمير ، أراد أن يكونوا نقادا في الدين يميّزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل ، فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب ، وكذا المباح والندب حراصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا ، أو يستمعون القرآن وغيره فيتّبعون القرآن ، أو يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو ونحو ذلك ، أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساو فيحدّث بأحسن ما سمع ويكفّ عما سواه (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي المنتفعون بعقولهم.
١٩ ـ (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) أصل الكلام أمّن حقّ عليه كلمة العذاب أي وجب أفأنت تنقذه ، جملة شرطية دخلت عليها همزة الإنكار ، والفاء فاء الجزاء ، ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حقّ عليه العذاب (١) فأنت تنقذه ، والهمزة الثانية هي الأولى كرّرت لتوكيد معنى الإنكار ، ووضع من في النار موضع الضمير أي تنقذه ، فالآية على هذا جملة واحدة ، أو معناه أفمن حقّ عليه كلمة العذاب ينجو منه فأنت تنقذه أي لا يقدر أحد أن ينقذ من أضلّه الله وسبق في علمه أنه من أهل النار.
٢٠ ـ (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) أي لهم منازل في الجنة
__________________
(١) في (ظ) و (ز) كلمة العذاب.