(قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (١٧)
في الدين فمن أخلص كان سابقا ، فالأوّل أمر بالعبادة مع الإخلاص ، والثاني بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلا منزلة المختلفين ، فصحّ عطف أحدهما على الآخر.
١٣ ـ (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك ، وذلك أنّ كفار قريش قالوا له عليهالسلام : ألا تنظر إلى أبيك وجدّك وسادات قومك يعبدون اللات والعزّى فنزلت ردا عليهم.
١٤ ـ (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وهذه الآية إخبار بأن (١) يخصّ الله وحده بعبادته مخلصا له دينه دون غيره ، والأولى إخبار بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص ، فالكلام أولا واقع في نفس الفعل وإثباته ، وثانيا فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتّب عليه قوله :
١٥ ـ (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) وهذا أمر تهديد ، وقيل له عليهالسلام : إن خالفت دين آبائك فقد خسرت ، فنزلت (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) أي الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بإهلاكها في النار (وَأَهْلِيهِمْ) أي وخسروا أهليهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنهم أضلّوهم فصاروا إلى النار ، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله : (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) حيث صدّر الجملة بحرف التنبيه ، ووسّط الفصل بين المبتدأ والخبر ، وعرّف الخسران ونعته بالمبين ، وذلك لأنهم استبدلوا بالجنة نارا وبالدرجات دركات.
١٦ ـ (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) أطباق (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أطباق من النار هي ظلل لآخرين ، أي النار محيطة بهم (ذلِكَ) الذي وصف من العذاب ، أو ذلك الظلل (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي ، خوّفهم بالنار ثم حذّرهم نفسه.
١٧ ـ (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) الشياطين ، فعلوت من الطغيان كالملكوت
__________________
(١) في (ظ) و (ز) بأنه.