قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (١٢)
(الْخاسِرُونَ) (١) وقال : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٢) فيجب أن لا يجاوز أحدهما حدّه (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي يعلمون ويعملون (٣) ، كأنه جعل من لا يعمل غير عالم ، وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنّون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء ، أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذلك لا يستوي المطيع والعاصي (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) جمع لبّ ، أي إنما يتعظ بوعظ الله أولو العقول.
١٠ ـ (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا) بلا ياء عند الأكثر (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي أطاعوا الله في الدنيا ، وفي يتعلق بأحسنوا لا بحسنة ، معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أي حسنة لا توصف ، وقد علّقه السّدّيّ بحسنة ففسّر الحسنة بالصحة والعافية ، ومعنى (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) أي لا عذر للمفرطين في الإحسان البتّة حتى إن اعتلّوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفّر على الإحسان ، قيل لهم فإنّ أرض الله واسعة وبلاده كثيرة ، فتحوّلوا إلى بلاد أخر ، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) على مفارقة أوطانهم وعشائرهم وعلى غيرها من تجرّع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف ، وهو حال من الأجر أي موفرا.
١١ ـ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) بأن أعبد الله (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي أمرت بإخلاص الدين.
١٢ ـ (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) وأمرت بذلك لأجل أن أكون أوّل المسلمين ، أي مقدّمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة ، والمعنى أنّ الإخلاص له السّبقة
__________________
(١) الأعراف ، ٧ / ٩٩.
(٢) يوسف ، ١٢ / ٨٧.
(٣) في (ظ) و (ز) زاد : به.