(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (٣٢)
سالما مكي وأبو عمرو أي خالصا له (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) صفة ، وهو تمييز ، والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالاهما ، وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس ، وقرىء مثلين (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الذي لا إله إلا هو (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيشركون به غيره. مثّل الكافر ومعبوديه بعبد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع واختلاف وكلّ واحد منهم يدّعي أنه عبده ، فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى ، وهو متحيّر لا يدري أيهم يرضي بخدمته ، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته ، وممن يطلب رزقه ، وممن يلتمس رفقه ، فهمّه شعاع ، وقلبه أوزاع ، والمؤمن بعبد له سيد واحد فهمّه واحد وقلبه مجتمع.
٣٠ ـ (إِنَّكَ مَيِّتٌ) أي ستموت (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وبالتخفيف من حلّ به الموت ، قال الخليل : أنشد أبو عمرو :
وتسائلني (١) تفسير ميت وميّت |
|
فدونك قد فسرت إن كنت تعقل |
فمن كان ذا روح فذاك (٢) ميّت |
|
وما الميت إلا من إلى القبر يحمل |
كانوا يتربصون برسول الله صلىاللهعليهوسلم موته ، فأخبر أنّ الموت يعمّهم فلا معنى للتربص ، وشماتة الباقي (٣) بالفاني ، وعن قتادة : نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك وإياهم في عداد الموتى لأنّ ما هو كائن فكأن قد كان.
٣١ ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ) أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيّب (يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) فتحتجّ أنت عليهم بأنك بلّغت فكذبوا ، واجتهدت في الدعوة فلجّوا في العناد ، ويعتذرون بما لا طائل تحته ، تقول الأتباع أطعنا سادتنا (٤) وكبراءنا ، وتقول السادات أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون ، قال الصحابة رضي الله عنهم أجمعين : ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا (٥) ، وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة ، وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم ، والوجه هو الأوّل ألا ترى إلى قوله :
٣٢ ـ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) وقوله : والذي جاء بالصدق وصدّق
__________________
(١) في (ز) تسألني.
(٢) في (ظ) و (ز) فذلك.
(٣) في (ز) الفاني.
(٤) في (ز) ساداتنا.
(٥) رواه عبد الرزاق والطبري والثعلبي عن إبراهيم النخعي.