حينٍ ففرِّقْهم فِرَقاً ، واجعلْهم طَرَائقَ قدَداً ، ولا تُرْضِ الولاةَ عنهم أبداً ، فإِنّهم دَعَوْنا ليَنصُرونا ، ثمّ عَدَوْا علينا فقتلونا».
وحملتِ الرّجّالةُ يميناً وشمالاً على من كانَ بقيَ معَ الحسينِ فقتلوهم حتّى لم يَبقَ معَه إلاّ ثلاثةُ نفر أو أربعةٌ ، فلمّا رأى ذلكَ الحسينُ دعا بسراويلَ يمانيّةٍ يُلمَعُ فيها البصرُففَزَرَها (١) ثمّ لبسَها ، وانّما فَزَرَها لكي لا يُسْلَبَها بعدَ قتلِه.
فلمّا قُتِلَ عَمَدَ أبجر بنُ كعبِ إِليه فسلبَه السّراويلَ وتركَه مُجَرَّداً ، فكانتْ يدا أبْجر بن كعبِ بعدَ ذلَكَ تَيْبسانِ في الصّيفِ حتّى كأنّهما عُودَانِ ، وتترطّبانِ في الشِّتاَءِ فتنضحانِ دماً وقيحاً إِلى أن أهلكَه اللهُ.
فلمّا لم يبقَ معَ الحسينِ عليهالسلام أَحدٌ إلاّ ثلاثةُ رهطٍ من أَهلهِ ، أَقبلَ على القومِ يدفعهُم عن نفسِه والثلاثةُ يَحْمونَه ، حتّى قُتِلَ الثلاثةُ وبقيَ وحدَه وقد أُثْخِنَ بالجراحِ في رأسِه وبدنِه ، فجعلَ يُضارِبُهم بسيفِه وهم يتفرّقونَ عنه يميناً وشمالاً.
فقالَ حُمَيدُ بنُ مسلم : فواللّهِ ما رأَيْتُ مَكثوراً (٢) قطُّ قد قُتِلَ ولدُه وأَهلُ بيتِه وأَصحابُه أَربطَ جأْشاً ولا أَمضى جَناناً منه عليهالسلام ، إِنْ كانت الرّجّالةُ لَتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفِه ، فتنكشِفُ عن يمينهِ وشمالهِ انكشافَ المِعزى إِذا شدَّ فيها الذِّئبُ.
فلمّا رأَى ذلكَ شمرُ بنُ ذي الجوشنِ استدعى الفرسانَ فصاروا في ظهورِ الرّجّالةِ ، وأَمرَ الرُّماةَ أَن يَرموه ، فرشقوه بالسِّهام حتّى صارَ
__________________
(١) في هامش «ش» فزر الثوب : اذا مدّه حتى يتميز سداه من لحمته.
(٢) في هامش «ش» و «م» المكثور: الذي أحاط به الكثير.