بابه إِذا هو قد طَلَعَ على حمارٍ وعليه قَميص ورِداءٌ ، فلَمّا نَظَرْتُ إِليه اسْتَحْيَيْتُ منه ، فلمّا لَحِقَني وَقَفَ ونَظَرَ إِلَيَّ فسَلَّمْت عليه ـ وكانَ شهرُ رمضانَ ـ فقُلْتُ : جعْلْتُ فداك ، إِنَّ لمولاك فلان عَليَّ حقّاً ، وقد واللهِ شَهَرَني؛ وأَنا أَظُنُّ في نفسي أَنّه يَأْمُرُه بالكفِّ عنّي ، وواللّهِ ما قُلْتُ له كَمْ له عليٌ ولا سَمَّيْتُ له شيئاً ، فأَمَرَني بالجلوسِ إِلى رجوعِه.
فَلمْ أَزَلْ حتى صَلَّيْتُ المغربَ وأَنا صائمٌ ، فضاقَ صَدْري وأَرَدْتُ أَن أَنصرِفَ ، فإِذا هو قد طَلَعَ عَلَيَّ وحوله الناسُ ، وقد قَعَدَ له السؤّالُ وهو يتصدق عليهم ، فمضى فدَخَلَ بَيْتَه ثم خَرَجَ ، ودعاني فقُمْتُ إِليه ودَخَلْتُ معه ، فَجَلَسَ وجَلَسْتُ معه فجَعلْتُ أحَدِّثُهُ عن ابن المسيّب (١) ـ وكانَ كثيراً ما أُحَدِّثه عنه ـ فلمّا فَرَغْت قالَ : «ما أظُنُّك أَفْطَرْتَ بعدُ» قُلْتُ : لا ، فدَعا لي بطعامٍ فوضعَ بين يَدَيَ ، وأَمَرَ الغلامَ أَن يَاْكُلَ معي ، فأَصَبْتُ والغلام من الطعام ، فلمّا فَرَغْنا قالَ : «ارفَع الوسادةَ وخذْ ما تحتها» فرَفَعْتُها فإِذا دنانير فأَخَذْتُها ووَضَعْتُها في كُمّي.
وأمر أربعةً من عَبيده أن يكونوا معي حتى يَبْلغوا بي منزلي ، فقُلْتُ : جعلت فداك إِنَّ طائفَ (٢) ابن المسيب يَقْعُدُ وأَكْرَهُ أَنْ يَلْقاني ومعي عَبِيدُك ، فقالَ لي : «أَصَبْتَ ، أَصابَ اللّهُ بك الرشادَ» وأَمَرهُم أَنْ يَنْصَرِفوا إِذا رَدَدْتُهم.
فلمّا قربت من منزلي وأَنِسْتُ رَدَدْتًهم وصِرْتُ إِلى منزلي ودَعَوْتُ السِراجَ ونَظَرْتُ إِلى الدنانير ، فإذا هي ثمانيةٌ وأَربعونَ ديناراً ، وكانَ حَقُّ الرجلِ عَلَيَّ ثمانيةً وعشرين ديناراً ، وكانَ فيها دينارٌ يَلُوحُ فأَعْجَبَني حُسْنُه فأَخَذْتُه
__________________
(١) هو هارون بن المسيب كان والي المدينة.
(٢) الطائف : العاسّ بالليل. «العين ـ طوف ـ ٧ : ٤٥٨».