واجْتَمَعَ النساءُ والصبيانُ يَنْتَظِرونَ خُروجَه ، وصارَ جميعُ القوّادِ والجُنْدِ إِلى بابه ، فوَقَفُوا على دَوابِّهِمْ حتى طَلَعَتِ الشمسُ.
فاغْتَسَلَ أَبو الحسن عليهالسلام ولَبسَ ثِيابَه وتَعَمَّمَ بعَمامةٍ بيضاءٍ من قُطْنٍ ، أَلقى طَرَفاً منها على صَدْرِه وطَرَفاً بين كَتِفَيهِ ، ومَسٌَ شَيْئاً من الطيبِ ، وأَخَذَ بيدِه عُكّازةً ، وقال لمواليه : «إِفْعَلوا مثْلَ ما فَعَلْتُ » فَخَرجُوا بين يديه وهو حافٍ قد شَمَّر سَراويلَه إِلى نصفِ الساقِ وعليه ثيابٌ مشمّرة ، فمشى قليلاً ورَفَعَ رَأْسَهُ الى السماءِ وكَبّرَ وكَبَّرَمواليه معه ، ثم مَشى حتى وقَفَ على البابِ ، فلمّا رآه القُوّاد والجُنْدُ على تلك الحال (١) سَقَطُوا كُلُّهم عن الدوابّ إِلى الأرضِ وكانَ أَحْسَنَهم حالاً من كان معه سِكّينٌ قَطَعَ بها شرّابةَ جاَجيلتهِ ونَزَعَها وتَحَفّى.
وكَبَّرَ الرضا عليهالسلام على الباب وكَبَّرَ الناسُ معه ، فخُيِّل إِلينا أَنّ السماءَ والحيطانَ تُجاوِبُهُ ، وتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بالبكاء والضجيج لمّا رَأوْا أَبا الحسن عليهالسلام وسَمِعوا تَكْبيرهُ.
وبَلَغَ المأمونَ ذلك فقالَ له الفضلُ بن سهل ذو الرئاستين : يا أَميرَ المؤمنينَ ، إِنْ بَلَغَ الرضا المُصلّى على هذا السبيل افْتَتَنَ به الناسُ وخِفْنا كلُّنا على دمائِنا ، فأَنفذ إِليه أَنْ يَرْجِعَ ، فبَعَثَ إِليه المامونُ : قد كَلَفْناك شَطَطاً وأتعَبْناك ، ولَسْنا نحِبُّ أَن تَلْحَقَك مَشقَّةٌ فَارْجِعْ وَليصَلِّ بالناس مَنْ كان يُصلّي بهم على رَسْمِه. فدَعا أَبو الحسن عليهالسلام بخُفَه فَلبسَه ورَكِبَ ورَجَعَ ، واخْتَلَفَ أَمْرُ الناس في ذلك اليومِ ، ولَمْ يَنْتَظِمَْ في
__________________
(١) في هامش «ش» و «م» : الصورة.