فلمّا كانَ بعد ذلك بيومين أَو ثلاثة أُخْبرَ أَنّه قد ضَعفَ ، فأَمَرَ المُتَطبَبينَ بلزومِ دارِه ، وبعَثَ إِلى قاضي القُضاةِ فَاَحْضَرَه مَجْلِسَه وأَمَرَه أَنْ يَخْتارَ عَشرةً ممّن يُوثَقُ به في دينِهِ ووَرَعِهِ وأمانَتِهِ ، فأَحْضَرهم فبَعَثَ بهم إِلى دارِ الحسن وأَمَرَهم بلزومِه ليلاً ونهاراً ، فلم يَزالُوا هناك حتّى تُوُفَيَ عليهالسلام ، فلما ذاعَ خَبَرُ وفاتِه صارَتْ سُرّ مَنْ رأى ضَجّة واحِدَةً ، وعُطِّلتِ الأسْواقُ ، ورَكِبَ بنو هاشمٍ والقُوّادُ وسائرُ الناسِ إِلى جَنازتِه ، فكانَتْ سُرّ مَنْ رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة ، فلمّا فَرَغوا من تَهْيئتِهِ بَعَثَ السلطانُ إلى أبي عيسى بن المتوكل يأْمُرُه بالصلاةِ عليه ، فلمّا وُضعَتِ الجَنازةُ للصلاةِ عليه دَنا أَبو عيسى منه فكَشَفَ عن وَجْهِهِ ، فعَرَضَه على بني هاشم من العَلَويٌةِ والعبّاسيةِ والقُوّادِ والكُتّابِ والقُضاةِ والمعدٌلينَ ، وقالَ : هذا الحسنُ بن علي ابن محمّد بن الرضا ماتَ حَتْفَ أَنْفِه على فِراشِهِ ، وحَضَرَه من خَدَم أَمير المؤمنينَ وثِقاتِه فلانٌ وفلانٌ وفلان ، ومن القُضاةِ فلانٌ وفلانٌ ، ومن المُتًطَببينَ فلانٌ وفلانٌ ، ثم غَطّى وَجْهَه وصَلّى عليه وأَمَرَ بحَمْلِه.
ولمّا دُفِنَ جاء جعفرُ (١) بن علي أَخوه إِلى أَبي فقالَ : اجْعَلْ لي مَرْتبةَ أَخي وأَنا أُوصِلُ إِليك في كلّ سنة عشرينَ أَلف دينارٍ ، فزَبرَه أَبي وأَسْمَعَه ما كَرِهَ ، وقالَ له : يا أَحمقُ ، السلطانُ ـ أَطالَ اللهُّ بقاءه ـ جَرَّدَ سَيْفَه في الذين زَعَموا أَنَ أَباك وأَخاك أَئمَّةً ، ليَرُدَّهم عن ذلك فلم يَتَهَيأ له ذلك ، فإِنْ كُنْتَ عند شيعةِ أَبيك وأَخيك إِماماً فلا حاجة بك إِلى السلطانِ لِيُرَتِّبَكَ مراتِبَهم ولا غيرِ السلطانِ ، واِن لم تَكُنْ عندَهم بهذهِ المنزلةِ لم تَنَلْها بنا ، فاسْتَقَلَه أَبي
__________________
(١) في هامش «ش» و «م» : جعفر هذا يلقب بالكذاب ويلقب أيضاً بزق الخمر لانهماكه فيها وكان يسعى بأخيه ابي محمد عليهالسلام الى المتوكل.