يزحفونَ نحوَه ، فلمّا رأى الحرُّ بنُ يزيدَ أَنّ القومَ قد صمَّمُوا على قتالِ الحسينِ عليهالسلام قالَ لعمر بن سعدٍ : أيْ عُمَر (١) ، أمُقاتِلٌ أنتَ هذا الرّجلَ؟ قالَ : إِيْ واللّهِ قتالاً أيْسَرُه أَن تَسقطَ الرُّؤوسُ وتَطيحَ الأَيدي ، قالَ : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قالَ عمر: أما لو كانَ الأمرُ إِليَّ لَفعلتُ ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى.
فأقبلَ الحرُّحتّى وقفَ منَ النّاسِ موقفاً ، ومعَه رجلٌ من قومِه يُقالُ له : قُرّةُ بنُ قَيْسٍ ، فقالَ : يا قُرّةُ هل سقيتَ فرسَكَ اليومَ؟ قالَ : لا ، قالَ : فما تُريدُ أن تَسقِيَه؟ قالَ قُرّةُ : فظننتُ واللّهِ أنّه يُريد أَن يَتنحّى فلا يشهدَ القتالَ ، ويكرهُ (٢) أن أَراه حينَ يَصنعُ ذلكَ ، فقلتُ له : لم أسقِه وأَنا منطلق فأسقيه ، فاعتزلَ ذلكَ المكان الّذي كانَ فيه ، فواللّهِ لوأَنّه أطْلَعَني على الّذي يُريدُ لخرجتُ معَه إِلى الحسينِ بنِ عليٍّ عليهالسلام ؛ فأخذَ يَدنو منَ الحسينِ قليلاً قليلاً ، فقالَ له المهاجرُ بنُ أوسٍ : ما تُريدُ يا ابنَ يزيدَ ، أتريدُ أن تَحملَ؟ فلم يُجبْه وأخَذَهُ مثلُ الأفْكَلِ ـ وهي الرِّعدةُ ـ فقالَ له المهاجرُ : إِنّ أمْرَكَ لَمُريبٌ ، واللهِّ ما رأيتُ منكَ في موقفٍ قطُّ مثلَ هذا ، ولو قيلَ لي : مَنْ أشجعُ أَهلِ الكوفِة ما عَدَوْتُكَ ، فما هذا الّذي أرى منكَ؟! فقالَ له الحرُّ : إِنِّي واللّه أُخيِّرُ نفسي بينَ الجنَّةِ والنّارِ ، فواللّهِ لا أختارُ على الجنّةِ شيئاً ولو قُطًّعْتُ وحُرِّقْت.
ثمّ ضربَ فرسَه فلحِقَ بالحسينِ عليهالسلام فقالَ له : جُعِلْتُ فِداكَ ـ يا ابنَ رسولِ اللهِّ ـ أَنا صاحبُكَ الّذي حبستُكَ عنِ
__________________
(١) في هامش «ش» : يا عمر.
(٢) في «م» وهامش «ش» : فَكَرِه.