أعلم يعلم من يضل عن سبيله.
وزعم قوم أنّ (أعلم) بمعنى (يعلم) ، وهذا فاسد ولا يجوز أن يكون (من) في موضع جر بإضافة (أعلم) ؛ لأنّ (أفعل) لا يضاف إلّا إلى ما هو بعضه ، وليس ربّنا ـ تعالى ـ بعض الضّالين ، ولا بعض المضلين فامتنع ذلك لذلك" (١).
وممّا يدخل هنا تضعيف بعض القراءات ، ففي قراءة ابن عامر (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام : ١٣٧] ، بضم (الزاي) ونصب (الأولاد) وجر (الشركاء). قال المجاشعي في توجيه هذه القراءة (٢) : " ووجه قراءة ابن عامر أنّه فرق بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، كأنّه قال : قتل شركائهم أولادهم ، والشّركاء في المعنى فاعلون ، وهذا ضعيف في العربية (٣) ، وإنّما يجوز في ضرورة الشّعر نحو قول الشاعر :
فزججتها متمكّنا |
|
زجّ القلوص أبي مزاده" (٤) |
وفي قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢]. قال المجاشعي (٥) : " يقال (ربّ) بالتّشديد ، و (رب) بالتخفيف ، قال أبو كبير (٦) :
رب هيضل مرس لففت بهيضل |
|
زهير إن يشب القذال فإنّني |
زعم بعضهم أنّها لغة ، وليست بلغة عندنا ، وإنّما اضطر الشّاعر فخفّفها ، والدّليل على ذلك : أنّ كلّ ما كان من الحروف على حرفين فإنّه ساكن الثّاني نحو : هل ومن وقد وما أشبه ذلك ، ويقال : ربّما وربما وربّتما وربتما ، و (التّاء) لتأنيث الكلمة ، و (ما) كافّة وهي تبع للتّخفيف عوض من التّضعيف ، وحكى أبو حاتم هذه الوجوه كلّها بفتح الرّاء لغة" (٧).
__________________
(١) نبّه لهذا الطبري في جامع البيان : ٨ / ١٥ ، وابن عطية في المحرر الوجيز : ٢ / ٣٣٨.
(٢) النكت في القرآن : ١٥٩.
(٣) ردّ هذه القراءة الأزهري في معاني القراءات : ١ / ٣٨٨.
(٤) لم أقف على قائله ، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ٣٥٨ ، وثعلب في مجالسه : ١٢٥ ، وابن جني في الخصائص : ٢ / ٤٠٦ ، وابن يعيش في شرح المفصل : ٣ / ١٩. والزيادة من المصادر المذكورة.
(٥) النكت في القرآن : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.
(٦) هو أبو كبير الهذلي ، والبيت في ديوان الهذليين : ٧٩ ، وهو من شواهد الرماني في معاني الحروف : ١٠٧. القذال : مؤخر الرأس فوق فأس القفا. العين : ٥ / ١٣٤ (قذل). الهيطل : الثعلب. اللسان : ١١ / ٧٠٠ (هطل).
(٧) ينظر قول ابن فضال هذا في تذكرة النحاة : ٥. وينظر أيضا في هذه المسألة : معاني الحروف : ١٠٧ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ٣ / ١٤٠ ـ ١٤١ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ١٨٩.