إليه جماعة من المتأخرين ممن يرى رأي البصريين" (١).
في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
قال المجاشعي (٢) : " والمعنى ليس مثله شيء ، ولا يجوز أن تكون الكاف غير زائدة ؛ لأنه يصير شركا ؛ وذلك أنّك كنت تثبت لله مثلا ، ثم تنفي الشّبه عن ذلك المثل ، ويصير التّقدير :
ليس مثل مثله شيء ، وهذا كما تراه ، فأمّا قول محمد بن جرير أنّ (مثلا) بمعنى : ذات الشّيء (٣) ، كأنّه قال : ليس كهو شيء ، فليس بشيء ؛ لأنه يرجع إلى ما منعنا منه أولا من إثبات المثل ، ومثل زيادة الكاف ما أنشده سيبويه (٤) لخطام المجاشعي :
وصاليات ككما يؤتفين
وهذا قبيح لا دخال الكاف على الكاف ، والآية إنّما فيها إدخال الكاف على مثل ، وهذا حسن ، وقد أدخلوا (مثلا) على الكاف ، وقال الرّاجز :
فأصبحوا مثل كعصف مأكول" (٥).
وفي قوله تعالى : إن (رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [الأنعام : ١١٧]. قال المجاشعي (٦) : " وأمّا موضع (من) من الإعراب :
فقال بعض البصريين (٧) : موضعها نصب على حذف (الباء) حتى يكون مقابلا لقوله :
(وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). وقال الفراء والزجاج (٨) : موضعها رفع ؛ لأنّها بمعنى (أي) كقوله تعالى : (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [الكهف : ١٢] ...
قال أبو علي (٩). (من) في موضع نصب بفعل مضمر يدل عليه (أعلم) ، كأنّه قال : إنّ ربّك
__________________
(١) ينظر الإنصاف : ٢ / ١١٧ ، وشرح قطر الندى : ١٠٦ ، والمجيد (تحقيق : عبد الرزاق) : ٣١٠.
(٢) النكت في القرآن : ٢٠.
(٣) ينظر جامع البيان : ١ / ١٤٠ ، والطبري هو : أبو جعفر صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير ، ينظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ٢ / ٢١٠ ، وطبقات المفسرين للسيوطي : ٨٢.
(٤) الكتاب : ٤٠٨.
(٥) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه : ١٨١ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٥٢.
(٦) النكت في القرآن : ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٧) منهم الأخفش ، فهذا رأيه في معانيه : ٢ / ٢٨٢.
(٨) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٢.
(٩) الحجة لأبي علي الفارسي : ١ / ١٥٨ ، والمجيد : (تحقيق إبراهيم) : ١٥٢.