عليه مؤلف مثله مغربي قيرواني النشأة ، متتلمذ على مشيخة أهل بلده ممن رأينا الرواية عنهم : وهم جميعا مالكية ، وليس في الكتاب رواية ولو واحدة عن شيخ عراقي أو نيسابوري أو أصبهاني ممن يشتبه في أن يكون مؤلف الكتاب قد روى عنهم.
ومما يستأنس به فيما ذكرناه من كونه مالكي المذهب غير ما تقدم أنه ينقل في كتابه عن مالك ولا ينقل عن غيره من الأئمة (١) ، فإنه لم يذكر في كتابه أحمد ولا الشافعي ، أمّا أبو حنيفة فقد ذكره في موضعين (٢).
سابعا ـ أن مباحث المؤلف في الكتاب تدل على رسوخه في الصناعة النحوية واللغوية ، وكونها هي الغالبة على المؤلف ، كما تشهد بذلك تحليلاته وتعليلاته في الكتاب ، وموازناته الكثيرة بين أقوال أئمة البصرة والكوفة وانتصاره في الغالب لأقوال البصريين ، وتسميته لهم بأصحابنا ، وهذا المستوى من التخصص والحذق لا يعرف عن قوام السنة ونظرائه من المحدثين ، كما أن ابن فضّال لا يظهر من تأليفه هذا الذي نسبناه إليه كبير حذق أو معرفة بالصناعة الحديثية ؛ لأنه يروي الضعيف والواهي (٣).
وإنما الغالب عليه فنّه الذي بلغ فيه مستوى الإمامة ، حتى أمسى يوازن بين أقوال
__________________
ـ فقهاء المالكية عند عياض وابن فرحون وابن مخلوف مثلا ، كما إننا نجد الإمام السيوطي ينقل في ترجمته عن عبد الغافر انه قال : " ورد ابن فضّال نيسابور فاجتمعت به فوجدته بحرا في علمه ، ما عهدت في البلديين ولا في الغرباء مثله ، وكان حنبليا يقع في كل شافعي" بغية الوعاة : ٢ / ١٨٣. وقد كفانا التحقيق في مذهب المؤلف محقق كتاب" شرح عيون الإعراب" الدكتور حنا جميل حداد ، فهذا الباحث وإن لم يذكر أو يتوصل إلى ما يثبت أن ابن فضّال مالكي المذهب ، فقد أفادنا في تحقيق العبارة الآنفة الذكر ، وهي ما نقله السيوطي في قوله : " وكان حنبليا يقع في كل شافعي" ، لقد وجد أن العلامة الداوودي أعاد نقل العبارة ذاتها في ترجمة ابن فضّال في طبقات المفسرين : ٧٠ ، وقال أعني المحقق : ولم اعثر على ما يؤيد هذا فيما كتب عن الرجل ، وعندنا أن الداوودي واهم فيما نسبه إلى ابن فضّال وحجتنا في هذا ما يأتي :
١ ـ لم يرد لابن فضّال ذكر في طبقات الحنابلة ولا فيما استدرك عليها.
٢ ـ ينقل الداوودي كثيرا عن ياقوت الحموي ، وقد ورد في ترجمة ابن فضّال عند ياقوت ما صورته وحدث محمد بن طاهر المقدسي ـ وكان ما علمت وقّاعة في كل من انتسب إلى مذهب الشافعي ؛ لأنه كان حنبليا ـ سمعت إبراهيم بن عثمان الغزي بنيسابور يقول : لا دخل أبو الحسن بن فضّال النحوي ... الخ ، قال المحقق : وواضح من النص أن قول ياقوت : " لأنه كان حنبليا" خاص بمحمد بن طاهر المقدسي ، وليس بابن فضّال.
(١) ينظر النكت في القرآن : ٧٣ ، و ٩٦ ، و ٥٠٠.
(٢) النكت في القرآن : ١٣ ، و ١٧٥.
(٣) جاء في لسان الميزان : ٤ / ٢٤٩" وذكر ابن السمعاني أن هبة الله السقطي كتب عن ابن فضّال أحاديث ، قال : ثم عرضها على عبد الله بن سبعون القيرواني لمعرفته برجال المغرب فأنكرها ، وقال : هذه أسانيد واهية مركبة على متون موضوعة ، ثم اجمعوا فأنكروها عليه ، فاعتذر ، وقال : إني وهمت فيها".