وما أخبر بقبحه فهو قبيح ، ولكنّهم غفلوا عن أنّهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح ، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتى مع تصريح الشرع ، وذلك لأنّه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحسن شيء وقبحه ، فمن أين نعلم أنّه يصدق في أخباره ولا يكذب ، والمفروض انّ العقل عاجز عن درك حسن الأوّل وقبح الثاني ؟ فلا يصحّ إثبات حسن شيء أو قبحه من خلال تصريح الشارع ، إلاّ أن يثبت قبلاً انّ الصدق حسن والكذب قبيح ، ويثبت انّه سبحانه نزيه عن فعل القبيح ، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشيء أو قبحه سدى.
الثالث : لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة
لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية ، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شيء أو قبحه ، وذلك لأنّ القائل بالتحسين والتقبيح العقليين ، يقول : إنّ حكمته سبحانه تصدّه عن تزويد الكاذب بالمعجزة ، فلو ادّعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته ، فهي دليل على صدقه في دعوته.
وأمّا إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح ، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحاً على مصراعيه ، وليس هنا دليل يردّ هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.
وهذه الأدلّة الثلاثة التي سردناها على وجه الإيجاز ، تُشرف القارئ على القطع بأنّ العقل له المقدرة على درك الحسن والقبح. هذا كلّه حول الدعوى الأُولى.