تعلّق علمه بصدور كلّ فعل عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه. وعلى ضوء ذلك تعلق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر ، بلا شعور ، كما تعلّق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش ، عالماً بلا اختيار ، ولكن تعلّق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية. وبالتالي : تعلَّق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً ، وصدور فعله عنه اختياراً ـ فمثل هذا العلم ـ يؤكد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان.
وإن شئت قلت : إنّ العلّة إذا كانت عالمة شاعرة ، ومريدة ومختارة كالإنسان ، فقد تعلق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية ، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية لكان علمه سبحانه مطابقاً للواقع غير متخلّف عنه ، وأمّا لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر واضطرار بلا علم وشعور أو بلا اختيار وإرادة ، فعند ذلك يتخلّف علمه عن الواقع.
يقول العلاّمة الطباطبائي ( ١٣٢١ ـ ١٤٠٢ ه ) : إنّ العلم الأزلي متعلق بكلّ شيء على ما هو عليه ، فهو متعلق بالأفعال الاختيارية بما هي اختيارية ، فيستحيل أن تنقلب غير اختيارية.
وبعبارة أُخرى : المقضيّ هو أن يصدر الفعل عن الفاعل الفلاني اختياراً ، فلو انقلب الفعل من جهة تعلق القضاء به ، غير اختياري ناقض القضاء نفسه. ١
هذا هو حال تعلّق علمه سبحانه بالأشياء والأفعال ، وقد عرفت أنّه لا يستلزم الجبر وبالتالي لا يستلزم خلاف عدله.
__________________
١. تعليقة الأسفار : ٦ / ٣١٨.