العين « وهي تمر مر السحاب » أي تسير سيرا حثيثا سير السحاب ، والمعنى : أنك لا ترى سيرها لبعد أطرافها كما لا ترى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه ، وذلك إذا ازيلت الجبال عن أماكنها للتلاشي « صنع الله » أي صنع الله ذلك صنعا « الذي أتقن كل شئ » أي خلق كل شئ على وجه الاتقان.
وفي قوله : « ما ينظرون » أي ما ينتظرون « إلا صيحة واحدة » يريد النفخة الاولى يعني أن القيامة تأتيهم بغتة « تأخذهم » الصيحة « وهم يخصمون » أي يختصمون في امورهم ، ويتبايعون في الاسواق ، وفي الحديث : تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يرفع اكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم ، والرجل يليط حوضه (١) ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم ، وقيل : وهم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا؟ « فلا يستطيعون توصية » يعني أن الساعة إذا أخذتهم بغتة لم يقدروا على الايصاء بشئ « ولا إلى أهلهم يرجعون » أي ولا إلى منازلهم يرجعون من الاسواق ، وهذا إخبار عما يلقونه في النفخة الاولى عند قيام الساعة ، ثم أخبر سبحانه عن النفخة الثانية فقال : « ونفخ في الصور فإذا هم من الاجداث » وهي القبور « إلى ربهم » أي إلى الموضع الذي يحكم الله فيه لا حكم لغيره هناك « ينسلون » أي يخرجون سراعا فلما رأوا أهوال القيامة « قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا » أي من حشرنا من منامنا الذي كنا فيه نياما؟ ثم يقولون : « هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون » فيما أخبرونا عن هذا المقام ، وهذا البعث. قال قتادة : أول الآية للكافرين وآخرها للمسلمين ، قيل : إنهم لما عاينوا أهوال القيامة عدوا أحوالهم في قبورهم بالاضافة إلى تلك رقادا ، قال قتادة : هي النومة بين النفختين لا يفتر عذاب القبر إلا فيما بينهما فيرقدون ، ثم أخبر سبحانه عن سرعة بعثهم فقال : « إن كانت إلا صيحة واحدة » أي لم تكن المدة إلا مدة صيحة واحدة « فإذا هم جميع لدينا محضرون » أي فإذا الاولون والآخرون مجموعون في عرصات القيامة « فاليوم لا تظلم نفس شيئا أي لا ينقص من له حق شيئا من حقه من الثواب أو غير ذلك ، ولا يفعل به ما لا يستحقه من العذاب ، بل
__________________
(١) أى مدره لئلا ينشف الماء.