فإن قال : فلم أمر بغسل الميت؟ قيل : لانه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والاذي ، فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسونه فيما بينهم نظيفا ، موجها به إلى الله عزوجل ، (١) وليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة ، فلذلك أيضا وجب الغسل.
فإن قال : فلم امروا بكفن الميت؟ قيل : ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد ، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله ويدفنه ، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره (٢) ولئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد ، وليكون أطيب لانفس الاحياء ، ولئلا يبغضه حميم فيلقي ذكره ومودته فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به وأحب (٣).
فإن قال : فلم امروا بدفنه؟ قيل : لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه ولا يتأذى به الاحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة (٤) والفساد ، وليكون مستورا عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدو ولا يحزن صديق. (٥)
فإن قال : فلم أمر من يغسله بالغسل؟ قيل : لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته. (٦)
فإن قال فلم لم يجب الغسل على من مس شيئا من الاموات غير الانسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك؟ قيل : لان هذه الاشياء كلها ملبسة ريشا وصوفا وشعرا ووبرا وهذا كله ذكي (٧) ولا يموت ، وإنما يماس منه الشئ الذي هو ذكي من الحي والميت.
__________________
(١) في العلل هكذا : وقد روى عن بعض الائمة عليهمالسلام أنه قال : ليس من ميت الخ.
(٢) في العيون بعد هذه الفقرة : وتغير ريحه. م
(٣) قد اضطربت النسخ في هذه الجملة ففى العيون : وامر به واجبا كان او ندبا. وفى العلل : امر به واحب. وفى بعض نسخ الكتاب : امر به بواجب. م
(٤) في العلل بعد قوله الافة : والدنس. م
(٥) في العيون فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه. م
(٦) في العلل هنا زيادة وهى هذه : ولئلا يلهج الناس به وبمماسته ، إذ قد غلبت عليه علة النجاسة والافة.
(٨) في العيون : ذكى طاهر. م