وكان داود بن علي بن عبد الله بن العبّاس واليا على المدينة من قبل المنصور ، فأرسل خلف المعلّى بن خنيس مولى الصادق عليهالسلام ، وأراد أن يدلّه على أصحاب الصادق عليهالسلام وخواصّه ، فتجاهل عليه المعلّى بمعرفتهم ، فألحّ عليه ثمّ هدّده بالقتل ، فقال له المعلّى : أبالقتل تهدّدني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني تسعدني وأشقيتك ، فلمّا رأى داود شدّة امتناع المعلّى قتله واستلب أمواله وكانت للصادق عليهالسلام.
فلما بلغ الصادق ذلك قام مغضبا يجرّ رداءه ودخل على داود وقال له : قتلت مولاي وأخذت مالي ، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب.
ثمّ أن الصادق عليهالسلام طلب منه القود ، فقدّم له قاتله فقتله به ، وهو صاحب شرطته ، ولمّا قدّموه ليقتل اقتصاصا جعل يصيح : يأمروني أن أقتل لهم الناس ثمّ يقتلونني.
ثمّ أن داود بعد ذلك أرسل خمسة من الحرس خلف الصادق عليهالسلام وقال لهم : ائتوني به فإن أبى فائتوني برأسه ، فدخلوا عليه وهو يصلّي فقالوا : أجب داود ، قال : فإن لم اجب ، قالوا : امرنا بأمر ، قال : فانصرفوا فإنه خير لكم في دنياكم وآخرتكم ، فأبوا إلاّ خروجه ، فرفع يديه فوضعهما على منكبيه ثمّ بسطهما ، ثمّ دعي بسبابته فسمع يقول : الساعة الساعة ، حتّى سمع صراخ عال ، فقال لهم : إن صاحبكم قد مات فانصرفوا.
أقول : هذه بعض مواقفه من رجال المنصور دعاه إلى الشدّة فيها الغضب للحق ، حين وجد أن الكلام أولى من السكوت ، وإن أبدى فيها صفحته للسيف.