إمامته بالبرهان ، فأين ذلك من مبلغ العيان ، ومشاهدة البرهان ، وسماع البيان ، فكان لقدوم الصادق العراق بلاد الولاء للعترة ، ولمشاهدة شمائله وفضائله ، ولسماع عظاته ونوادر آياته أثر بليغ في ميل النفوس إليه ، وانعطافهم عليه ، فوق ما يجدونه من السماع عنه ، وما كان الناس كلّهم يذهب للحجّ فيجتمع به ، فكانت جملة من الأحاديث أخذوها عنه في جيئاته إلى العراق.
وربت على هذا كلّه مظلوميّته ، فإن الناس كلّهم أو جلّهم يعلمون بأن الصادق مظلوم مقهور على هذا المجيء ، ويعلمون بما ينالون منه من سوء أذى في مجيئه ، هذا فوق ما يعتقدونه من غضب مقامه والتضييق عليه ، والحيلولة دون نشر علومه ومعارفه.
وما كان حتّى الشيعة يعرفون عن الإمام من الشأن والقدر والعلم والكرامة مثلما عرفوه عنه بعد مجيئه ، لأن التقيّة وعداء السلطة حواجز دون نشر فضائله والصادق عليهالسلام كما يقول عمرو بن أبي المقدام : كنت إذا نظرت إليه علمت أنه من سلالة النبيين ، وكما يقول ابن طلحة في مطالب السؤل : رؤيته تذكّر الآخرة ، واستماع حديثه يزهد في الدنيا ، والاقتداء بهديه يورث الجنّة ، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة ، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذوي الرسالة.
ومن ثمّ تجد هشام بن الحكم وكان جهميا يعدل إلى القول بالإمامة لمحاورة الصادق له ونظره إليه ، ذلك النظر الذي امتلأت نفسه منه جلالا وهيبة فأحسّ أن ذلك لشأن لا يكون إلاّ للأنبياء والأوصياء ، فكان من آثار مجيئه إلى العراق هداية هشام ، وأنت تعرف من هشام ، وما آثاره في خدمة أهل البيت ، وخدمة الدين (١).
__________________
(١) كتبت رسالة عن هشام بن الحكم استقصيت فيها قدر الامكان أخباره وآثاره ..