قال الزنديق : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ، قال عليهالسلام : إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه وعبادة يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أن لهم معبّرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين عنه ، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص.
ثمّ قال الزنديق : من أيّ شيء خلق الأشياء؟ قال عليهالسلام : من لا شيء ، فقال : كيف يجيء شيء من لا شيء؟ قال عليهالسلام : إن الأشياء لا تخلو إما أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خلقت من شيء كان معه ، فإن ذلك الشيء قديم ، والقديم لا يكون حديثا ، ولا يتغيّر ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا ، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي انشئت منه الأشياء حيّا؟ أو من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميّتا؟ ولا يجوز أن يكون من حيّ وميّت قديمين لم يزالا ، لأن الحيّ لا يجيء منه ميّت وهو لم يزل حيّا ، ولا يجوز أيضا أن يكون الميّت قديما لم يزل لما هو به من الموت ، لأن الميّت لا قدرة به ولا بقاء.
أقول : إن هذا الأمر على دقّته قد أوضحه الامام بأحسن بيان وردّده بين امور لا يجد العقل سواها عند الترديد ، وحقّا إن كان الشيء الذي خلقت الأشياء منه قديما لزم أن يكون مع الله تعالى شيء قديم غير مخلوق له ، ولو فرض أنه