أتبعه حتّى مرّ بمريض فوضع الرغيفين والرمّانتين بين يديه.
ثمّ سألته عن فعله فقال : لعلّك جعفر بن محمّد ، قلت : بلى ، فقال لي : وما ينفعك شرف أصلك مع جهلك؟ فقلت : وما الذي جهلت منه؟ قال : قول الله عزّ وجل « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها » (١) وإني لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين ، ولمّا سرقت الرّمانتين كانت سيّئتين ، فهذه أربع سيّئات فلما تصدّقت بكلّ واحدة منها كان لي أربعين حسنة ، فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات وبقي لي ستّ وثلاثون حسنة ، فقلت : ثكلتك امّك أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت الله تعالى يقول « إنما يتقبّل الله من المتّقين » إنك لمّا سرقت رغيفين كانت سيّئتين ، ولمّا سرقت رمّانتين كانت أيضا سيّئتين ، ولمّا دفعتها الى غير صاحبها بغير أمر صاحبها كنت إنما أضفت أربع سيّئات الى أربع سيّئات ، ولم تضف أربعين حسنة الى أربع سيّئات ، فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته.
قال الصادق عليهالسلام : بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يضلّون ويضلّون (٢).
أقول : وما اكثر أمثال هذا المتأوّل ولا غرابة بعد أن أعرضوا عن المنهل واستقوا من السراب.
وهذه شذرات من مناظرات الصادق عليهالسلام ومحاججاته مع من تنكّب عن سبيل الهدى ، وحاد عن سنن الحقّ ، وهي قطرة من غيث ، جئنا بها نموذجا من تلك الحياة العلميّة في الحجج والأدلّة.
__________________
(١) الأنعام : ١٦٠ ..
(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٥٧ باب استحباب الصدقة بأطيب المال ..