يداس جسمه ويرفع على القناة رأسه ، وتسبى على المهازيل أهله ، أترى أن قطع الرءوس ، ورضّ الصدور والظهور بسنابك الخيل ، وسلب الجثث وتركها عارية ، وإبقاءها بالعراء بلا دفن ، وأخذ النساء أسارى ممّا يجازى به القتيل الناهض للملك والسلطان.
إنّ الذي يذر الملح على الجرح ، وينكأ القرحة ، ويزيد في النكبة أن القوم لم يفعلوا بالحسين وأهله تلك الفعلة النكراء الفظيعة عن جهل بمقامه ، واعتقاد بخروجه عن الدين ، بل إنهم ليعلمون أنه صاحب الدين ، وربّ الخلافة والامامة ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة الرسول ، بل يعلمون بكل ما له من سابقة وفضل.
وهكذا لو فتّشت عن الأمر في غير الحسين عليهالسلام فإنك لتجد الحال في زيد ويحيى وأهل فخ ، وما سواهم من أمثال أهل البيت الذين كانوا طعمة للسيوف ، ومنتجعا للسمّ ، ووقفا على الحبوس ، كالحال في الحسين في المعرفة بهم والعمد على ظلمهم.
فلا بدع إذن لو وضح للعالم من تلك المواقف المشهودة ، والمشاهد المعلومة ، أن الحرب بين أهل البيت وبين أعدائهم من نوع حرب الفضيلة والرذيلة ، وأن الذين يريدون العروش لا يستطيعون نيلها إلاّ بمحاربة أهل البيت ومحوهم من صفحة الوجود ، لأنهم يعتقدون أنهم لا يصلون إلى الغاية ولأهل البيت شبح قائم ، وظلّ يتفيّؤه الناس ، فما كانت جناية أهل البيت إذن لدى الناس إلاّ أنهم أهل الدين ، وأرباب الفضائل ، فلا ترتقي الناس أرائك الخلافة وأهل البيت أكفاؤها الذين خلقت لهم وخلقوا لها تعرفهم الأمّة قياما بين أبناء الاسلام.
* * *