ويكفي في المقام اتفاق العقلاء علىٰ ضرورة الخضوع للحق والانقياد له حتىٰ ولو سمع من صبي. فكيف الحال إذن مع انبياء الله عزَّ وجلَّ ورسله وأوليائه الذين هم حجج الله في أرضه علىٰ عباده ؟ فلا شك في كون الخضوع والتذلل لهم والانصياع لأوامرهم من موجبات الشرع الحنيف علىٰ أن لا يكون ذلك بنحو التأليه وإلاّ فهو من الشرك بالله عزَّ وجلَّ.
نعم ، السجود علىٰ الأعضاء السبعة منحصر بالله عزَّ وجلَّ ولا يجوز أن يكون لغير الله تعالىٰ حتىٰ وان لم يكن بنحو التأليه ؛ لأنّه سيكون من قبيل تسوية العبد بخالقه ، وهو عين الضلال حتىٰ وان قصد بها الاحترام لما فيها من جعل المخلوق بمرتبة الخالق وتنزيل الخالق إلىٰ منزلة المخلوق.
ومن هنا جاء في الحديث الشريف أن معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يامعاذ ! ما هذا » ؟ قال : إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها ورأيت النصارىٰ تسجد لقسسها وبطارقتها ، قلت ماهذا ؟ قالوا : تحية الأنبياء ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كذبوا علىٰ أنبيائهم » (١).
وروىٰ سفيان الثوري عن سماك بن هاني أنه قال : دخل الجاثليق علىٰ علي بن أبي طالب عليهالسلام فأراد أن يسجد له فقال له الامام علي عليهالسلام : « اسجد لله ولا تسجد لي » (٢).
__________________
(١) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٥١٥ / ١٨٩١٣ و ٥١٦ / ١٨٩١٤ وفي الطبعة القديمة ٤ : ٣٨١.
(٢) التفسير الكبير / الفخر الرازي ٢ : ٢٣٢ في تفسير الآية ٣٤ من سورة البقرة.