استصحاب بقاء الجعل لإثبات بقاء الوجوب الفعلي لا يتم إلاّ بنحو الملازمة العقلية والأصل المثبت إذ لا توجد آية ولا رواية تقول انّ الجعل إذا كان باقيا فالحكم الفعلي يكون باقيا أيضا وإنّما ذلك مما يحكم به العقل.
ويمكن دفع هذا الإشكال بأنّ إثبات فعلية الحكم لا داعي له فإنّ المهم إثبات تنجز الحكم ، وواضح انّ التنجز لا يتوقف على سبق فعلية الحكم بل يكفي فيه ـ كما تقدم ص ٢٨٤ من الحلقة ـ العلم بالجعل والعلم بتحقق الموضوع ، فإذا استصحب الجعل وعلم من خلاله بقائه في حق المكلّف وعلم بالصغرى ـ أي علم المكلّف بأنّ التوجه إلى هذه الجهة توجه إلى بيت المقدس ـ كفى ذاك في التنجز بلا حاجة إلى إثبات الفعلية ليلزم محذور الأصل المثبت.
وبالجملة : التمسك باستصحاب بقاء الجعل وعدم نسخه لا محذور فيه.
ولكن هل يمكن التمسك بالإطلاق اللفظي لإثبات بقاء الجعل بأن يقال انّ مقتضى إطلاق دليل « توجّه إلى بيت المقدس » أنّ وجوب التوجه ثابت في جميع الازمنة؟ والجواب : كلا لا يمكن ، فإنّ الإطلاق إنّما يصح التمسك به فيمّا إذا شكّ في تقييد مفاد الدليل بأن يكون مفاد الدليل ثابتا ويشكّ في تقييده ، فمفاد اعتق رقبة مثلا وجوب عتق الرقبة ، فإذا شكّ في تقييد الوجوب المذكور بالإيمان كان مقتضى الإطلاق عدمه ، أمّا إذا لم يكن الشكّ في تقييد مفاد الدليل بل كان الشكّ في أصل ثبوت مفاد الدليل وعدمه فلا معنى للتمسك بالإطلاق ، ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الشكّ في نسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس شكّ في بقاء مفاد دليل توجّه إلى بيت المقدس وعدمه ، فانّ مفاد الدليل المذكور هو وجوب التوجه إلى بيت المقدس ، والشكّ في نسخه وعدمه شكّ في بقاء مفاد الدليل