صحيحة السند باعتقاده لكنها ضعيفة السند عندنا ، فإنّ المباني في الأسانيد مختلفة ، فقد يكونون قد استندوا على حجيّة الخبر الحسن وهو الإمامي الممدوح من دون توثيق أو الخبر الموثق وهو غير الإمامي الذي شهد له بالوثاقة ، بينما نحن لا نقول إلا بالخبر الصحيح وهو الذي رواه العدل الإمامي ، فيكون السند غير حجّة عندنا.
والحاصل : أنّ إفتاء العلماء معناه استنادهم على دليل شرعي ، ولكن ليس معناه أنّ هذا الدليل الشرعي تام الدلالة والسند حتّى بالنسبة إلينا ؛ ليكون حجّة علينا أيضا ، بل قد يكون ساقطا عن الاعتبار دلالة أو سندا أو كلاهما (١).
الثانية : أنّ أصل كشف الإجماع عن وجود رواية خاصّة دالة على الحكم ليس صحيحا ، لأنّنا إن كنّا نجد في مصادر الحديث رواية من هذا القبيل فهي واصلة بنفسها لا بالإجماع ، ولا بدّ من تقييمها بصورة مباشرة ، وإن كنّا لا نجد شيئا من هذا فلا يمكن أن نفترض وجود رواية ؛ إذ كيف نفسر حينئذ عدم ذكر أحد من المجمعين لها في شيء من كتب الحديث أو الاستدلال؟ مع كونها هي الأساس لفتواهم على الرغم من أنّهم يذكرون من الأخبار حتّى ما لا يستندون إليه في كثير من الأحيان.
النقطة الثانية : أنّ الإجماع لا يكشف عن وجود رواية دالة على الحكم المجمع عليه ، وذلك لأنّه إذا كانت هناك رواية فإما أن تكون موجودة في كتب الحديث وهذا يعني أن الرواية والدليل الشرعي قد وصل بنفسه إلينا لا عن طريق الإجماع ، فالإجماع لا يكون كاشفا عن الدليل الشرعي ؛ لأنّ الدليل الشرعي موجود بنفسه حينئذ ، فلا بد من الرجوع إلى هذه الرواية وتقييمها من حيث السند والدلالة فإن كانت تامّة فيؤخذ بها مستندا ودليلا للحكم وإلا فلا.
وإن لم تكن منقولة في كتب الحديث فكيف يمكننا أن نفترض مثل هذه الرواية؟
إذ المفروض أنّها كانت مستندا تام الدلالة والسند للحكم المجمع عليه ، والمفتون جميعا استندوا عليها ، فكيف لم ينقلها أحد منهم مع أنّهم نقلوا في كتبهم الكثير من
__________________
(١) وهذا الاشكال مبني على أن يكون المبنى الجديد الذي نقول به نحن غير موجود عند المجمعين أو لا قائل به منهم ، وإلا فلا يتمّ الإشكال لأنّه لو كان موجودا بينهم فمعناه أنّه لا يضر بصحّة الرواية دلالة وسندا وإلا لما أجمعوا على الفتوى كلّهم.