المتشرّعة المتدينين الذين لا يعملون إلا بالدليل ويبعد جدا ، بل لعلّه يستحيل أن يجمعوا على حكم من دون مستند شرعي له؟!
وبهذا نعرف أنّ الإجماع المنعقد من هؤلاء الفقهاء قد كان مستندا إلى ذلك الارتكاز والوضوح في الرؤية على هذا الحكم ، وهذا الارتكاز قد أخذوه ممّن كان قبلهم إلى أن تصل إلى الطبقات المعاصرة للنص فيثبت أنّ هذا الارتكاز والوضوح قد عمل به المتشرّعة بحضور الإمام عليهالسلام ولم يردعهم عنه ولذلك يكون قد أمضاه بسكوته ، بل قد يكون هذا الارتكاز نتيجة فعل قام به المعصوم فأخذوه منه وساروا عليه.
وهذا الارتكاز والوضوح لدى تلك الطبقات التي تشتمل على الرواة وحملة الحديث من معاصري الأئمّة عليهمالسلام يكشف عادة عن وجود مبررات كافية في مجموع السنّة التي عاصروها من قول وفعل وتقرير أوحت إليهم بذلك الوضوح والارتكاز ، وبهذا يزول الاستغراب المذكور ؛ إذ لا يفترض تلقي المجمعين من فقهاء عصر الغيبة رواية محددة وعدم إشارتهم إليها ، وإنّما تلقوا جوا عاما من الاقتناع والارتكاز الكاشف ، فمن الطبيعي ألا تذكر رواية بعينها.
وهذا الارتكاز والوضوح الذي استند عليه الفقهاء المجمعون من عصر الغيبة كان موجودا عند الطبقات السابقة عليهم والتي عاصرت الأئمّة عليهمالسلام كالكليني والصدوق ونحوهما وهذا معناه أنّ هذا الارتكاز يكشف عادة عن وجود المبررات الكافية للحكم الشرعي الذي أجمع عليه ، ولا يشترط أن تكون هذه المبررات التي يكشف عنها هذا الارتكاز دليلا شرعيا لفظيّا ؛ ليقال : إنّ عدم نقله غريب ، بل إنّ هذه المبررات استفيدت من مجموع السنّة الأعم من القول والفعل والتقرير بحيث إنّ مجموع السنّة قد أوحى إلى تلك الطبقات بهذا الجو العام والارتكاز والوضوح على الحكم ولذلك لم يطالبوا بدليل لفظي ، بل استندوا على هذا الوضوح والارتكاز ، ولهذا فلا مجال للاستغراب المذكور في الاعتراض بأنّه كيف لم تنقل إلينا هذه الرواية الصحيحة سندا ودلالة مع كونها هي المستند للحكم المجمع عليه؟ لأنّه لا توجد هناك رواية لفظية خاصّة كانت المستند لهذا الحكم وإنّما كان هناك جو عام وارتكاز ووضوح ؛ أي سيرة عمليّة من المتشرّعة.