فمثلا إذا قيل : ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) يثبت للجملة مفهوم إذا جرت قرينة الحكمة في الجزاء أي في مفاد هيئة ( أكرمه ) لإثبات أنّ الوجوب المدلول عليه في الهيئة المذكورة هو كلّي وجوب الإكرام لا شخص خاصّ منه ، إذ لو كان شخص الوجوب هو المعلّق والمتفرّع والمعلول للشرط لكان ينبغي للمتكلّم أن يبيّن ذلك في كلامه ، فما لم يذكر ذلك كان معناه أنّ المنتفي هو كلّي الوجوب عند انتفاء الشرط ؛ إذ لو كان يوجد مع غيره لكان يجب ذكره في الكلام فما لم يذكره فهو لا يريده.
وهكذا يعود البحث في ثبوت المفهوم لجملة : ( إذا كان الإنسان عالما فأكرمه ) أو لجملة : ( أكرم الإنسان العالم ) إلى أنّه هل يجري الإطلاق في مفاد أكرم في الجملتين لإثبات أنّ المعلّق على الشرط أو الوصف طبيعي الحكم أو لا؟
ونسمّي هذا بمسلك المحقّق العراقي في إثبات المفهوم.
ففي الجملة الشرطيّة : ( إذا كان الإنسان عالما فأكرمه ) لكي يثبت المفهوم فيها لا بدّ من إجراء الإطلاق ومقدّمات الحكمة في مفاد هيئة الجزاء. بينما في الجملة الوصفيّة :
( أكرم الإنسان العالم ) لا يجري الإطلاق ومقدّمات الحكمة في مفاد هيئة الجزاء فلا مفهوم ، وأمّا إذا جرى الإطلاق ومقدّمات الحكمة في الجملة الوصفيّة فيكون لها مفهوم.
وهذا يسمّى بمسلك المحقّق العراقي في إثبات المفهوم.
إلا أنّ الصحيح هو أنّ الركن الأوّل لا يمكن الاستغناء عنه ؛ لأنّ الربط الخاصّ والانتفاء عند الانتفاء كما يتحقّق بالعلّيّة والتوقّف كذلك يتحقّق بالاستلزام أيضا ، وقد تقدّم أنّ الاستلزام لا يكفي في إثبات المفهوم.
وعليه ، فلا يكفي أن يكون هناك انتفاء عند الانتفاء ، بل لا بدّ من إثبات أنّ هذا الانتفاء هل هو بنحو العلّيّة كما هو المشهور ، أو بنحو التوقّف كما هو المختار؟ ولذلك يكون البحث في الركن الأوّل غير مفروغ عنه.
مضافا إلى أنّ هيئة الجزاء في الجملة الشرطيّة والجملة الوصفيّة المذكورتين واحد ، فلما ذا جرى الإطلاق وقرينة الحكمة في أحدهما دون الآخر؟
* * *