ومطلقات النهي عن العمل بالظن وما ليس بعلم رادعة عن سيرة المتشرّعة الذين كانوا معاصرين للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وللأئمّة عليهمالسلام ، فهذا غير معقول ، لأنّ الوجدان والواقع على خلاف ذلك ؛ إذ من الواضح أنّ سيرة المتشرّعة من صحابة ومحدّثين ورواة ومتدينين كانت منعقدة بالفعل على العمل بخبر الثقة كما تقدّم بيانه على أساس الطريق الثالث ، على الرغم من وجود هذه العمومات والمطلقات ، وهذا يدلّ التزاما على أنّ هذه المطلقات ليست شاملة لخبر الثقة وإلا لم يكن هناك ما يبرّر التزامهم وبناءهم على العمل والأخذ بخبر الثقة رغم تديّنهم المانع من كونهم يتصرّفون على أساس الآراء والأهواء ، فمثل هذه السيرة تدلّ على أنّ مطلقات النهي ليست صالحة للردع عن العمل بخبر الثقة ، وإلا لكانوا ارتدعوا عن ذلك مع توفّر المبرّرات الكافية لردعهم لأنّهم متشرعة ومتدينون لا يتصرّفون إلا وفق الموازين الشرعيّة.
وإن أريد أنّ هذه العمومات والمطلقات رادعة عن السيرة العقلائيّة فهذا ، وإن كان ممكنا ثبوتا ومعقولا في نفسه إلا أنّه لا يمكن القول به ؛ وذلك لأنّ الإيحاء والعادة التي توحيها سيرتهم وبناءهم على العمل بخبر الثقة كانت بدرجة من الاستحكام والقوة بحيث لا يكفي معها عادة الردع بظهور إطلاق أو عموم رغم الخطر الكبير الذي سوف يقع لو كان الشارع لا يرى حجيّة هذه السيرة العقلائيّة ، لأنّ المفروض في ظروف كهذه أن يكون الردع والنهي بدرجة قويّة جدّا ، ولكان المفروض أيضا أن يكون لسان النهي والردع صريحا لا احتمال على خلافه ، وفي مثل هكذا حالة لكان لا بدّ من وصول شيء صريح يدلّ على النهي والردع عن العمل بخبر الثقة في مجال الأغراض الشرعيّة ، والحال إنّه لم يصلنا شيء من هذا القبيل رغم توفّر الدواعي للنقل لكثرة الابتلاء بهذا الأمر إذ العمل بخبر الثقة لا يقلّ شأنا وأهمية عن القياس ونحوه من الأدلّة الظنية التي نهى الشارع عنها نهيا صريحا وقويا.
والحاصل : أنّ هذه المطلقات لا تصلح للردع عن السيرة بكلا نحويها ، وبالتالي تكون السيرة على العمل بخبر الثقة حجّة وممضاة شرعا ، وبها تثبت الحجيّة للخبر بلا معارض.
* * *