التصدّق وكان الوجوب ثابتا في الواقع ، فإنّ المكلّف يكون معذورا لأنّه استند إلى ما هو حجّة شرعا أو تكوينا.
وفي مقامنا المطلوب هو الاستدلال على حجيّة خبر الثقة بمعنى كونه منجّزا ومعذّرا ، وأمّا العلم الإجمالي الذي ذكر دليلا على حجيّة خبر الثقة فهو لا يثبت هذه الحجيّة وإنّما يثبت المنجزية فقط دون المعذرية.
وتوضيحه : أنّ العلم الإجمالي إنّما يكون منجزا لوجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة الاحتماليّة لو فرض كونه دائرا بين طرفين إلزاميين أو كان المعلوم بالإجمال إلزاما وتكليفا كما إذا علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة ، أو علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين فهنا يكون العلم الإجمالي منجزا لوجوب الإتيان بالظهر والجمعة ولحرمة ارتكاب الإناءين أو أحدهما.
وأمّا إذا كان العلم الإجمالي علما إجماليا بعدم التكليف كما إذا علم إجمالا بطهارة أحد الإناءين فإنّه لا يوجب الالتزام بطهارة كلا الإناءين ، أو علم إجمالا بصدور بعض الأخبار النافية للتكليف أي التي تثبت الترخيص والجواز أو الاستحباب أو الكراهة ، فهنا لا يقال بكونه منجزا للدائرة التي يعلم باشتمالها على هذه الأخبار ، لأنّه من الواضح أنّ المنجزية الثابتة للعلم الإجمالي كانت لأجل الاحتياط العقلي وعدم الابتلاء بمخالفة الواقع الإلزامي ، وأمّا هنا فلا مخالفة للواقع أصلا ، لأنّه لو علم تفصيلا بهذه الأخبار النافية للتكليف لم يلزم العقل بها لأنّه يجوّز للمكلف الفعل والترك ، فلا يكون العلم الإجمالي ملزما بفعلها أو تركها ، لأنّه ليس بأحسن حالا من العلم التفصيلي.
وهكذا يتّضح أنّ العلم الإجمالي غاية ما يثبت به التنجيز فقط ، وهو جزء من الحجيّة لا الحجيّة كلّها ، فالدليل أخصّ من المدّعى فلا يثبته.
وثانيا : لأنّ العمل بأخبار الثقات على أساس العلم الإجمالي إنّما هو من أجل الاحتياط للتكاليف المعلومة بالإجمال ، ومن الواضح أنّ الاحتياط لا يسوّغ أن يجعل خبر الثقة مخصّصا لعام أو مقيّدا لمطلق في دليل قطعي الصدور ، فإنّ التخصيص والتقييد معناهما رفع اليد عن عموم العام أو إطلاق المطلق في دليل قطعي الصدور ومعلوم الحجيّة.